الكاتبة : ربى الحصري

حتى تصبح مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش متوفرة فإن عليّ الاعتماد على ما تم تناقله في وسائل الإعلام، رغم ان المذكرات بذاتها لن تكون بأهمية نتائج سياساته، فربما ولأول مرة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين ليس هناك أهمية للتفاصيل أو للتبريرات، على الأقل في منطقة الشرق الأوسط، فالرئيس بوش لم يترك خيارات سياسية أو حتى ثقافية، وهو شكل نوعا من الافتراق الدولي من خلال مجموعة من "الأوهام" التي لا يمكن قياسها أو دراستها... كيف؟!

سؤال منطقي ربما يبدأ في بريطانيا عندما ظهر حزب العمال بقيادة جديدة جسدها رئيس الوزراء الأسبق "توني بلير"، في تلك المرحلة كانت أوروبا تحلم بمرحلة ما بعد الحرب الباردة، وكان "الاتحاد الأوروبي" صورة تستحق النظر لأنها كانت تبحث عن دور دولي مختلف وبعيدا عن "توازن الرعب"، فصحيح أن بريطانيا لم تدخل "الاتحاد" وبقيت تميل إلى الشاطئ الآخر من الأطلسي، لكنها في المقابل كانت ترى "تشكيلا" مختلفا يمكن أن يتبلور، وكعادة العلاقات العامة تم تقديم توني بلير في "مظهر" يصور التحولات المتوقعة، لكن ما حصل لاحقا كان كلاسيكيا بكل المعايير، فالحادي عشر من أيلول لم يكن حدثا نمطيا، لكن مجابهته تعكس ردة فعل تقليدية لأبعد الحدود، وصورة توني بلير أصبحت نموذجا لعدم قدرة "القارة العجوز" حسب تعبير كولن باول على التعامل بشكل مختلف مع تحديات ما بعد الحرب الباردة.

الكل يذكر المظاهرة المليونية في لندن ضد الحرب على العراق، أو السجال في مجلس الأمن الذي ظهر قطبه الأساسي فرنسيا من خلال وزير خارجيتها "دوفليبان"، إلا ان الترتيب النهائي جاء على قياس الحروب الكلاسيكية، التي ملأت العالم في بداية عصر الحداثة، فكانت النهضة الفكرية الأوروبية لصيقة بحروب الاستعمار، وفي بداية القرن العشرين أصبح ما بعد الحداثة ملازما لـ"صناعة الوهم" التي ولدت الحروب حتى في مراحل سابقة لإدارة بوش الابن.

هناك سمة أساسية لمرحلة بوش مختلفة عن كل الصور التي يتم إشاعتها غربا وشرقا، فالإدارة الأمريكية منذ بداية الألفية الجديدة كانت حالة طبيعية لعالم من الاتصالات تجاوز نفسه وأصبح يرسم سيناريوهات تتفوق على الحدث، فالروايات التي رافقت الحادي عشر من أيلول أو حرب العراق وأفغانستان هي أكثر بكثير من مجرد افتراضات محتملة، لأنها شكلت "فيضا" إضافيا يعزز الرغبة في "محاصرة" الآخر بكم من المعلومات، بينما لم يتم التعامل مع الحدث خارج إطار تفوق القوة التقليدي، وكانت صور القاذفات الإستراتيجية مشابهة لمرحلة حرب فيتنام، رغم أننا امام أسلحة متطورة أكثر ونظم سياسية من المفترض أنها استفادت من تجارب قديمة... ولوجه الحق فإنها بالفعل استفادت عبر القدرة في كسر التفوق الإعلامي الذي ظهر خلال حرب فيتنام، فكان حجم الروايات التي تظهر اكثر من قدرة الصحفيين على التحقق منها.