الكاتبة : ربى الحصري
كل عناصر التشويق متوفرة في تقرير القناة الكندية C.B.C، فحتى ردود الفعل من المحكمة الدولية تقدم دعما قويا لسيناريو يبدو وكأنه يكسر كل التوقعات، فالتقرير استطاع ان يخترق الشكوك عبر تناوله حتى للمحققين ولشخصيات من فريق سعد الحريري نفسه، وهو في النهاية يصل إلى بقعة استحال فيها وجود دليل مادي لعدم قدرة أحد على اختراق "الضاحية الجنوبية" التي هي مسرح لحزب الله من أجل الحصول على أدلة مادية، لذلك فالقرار هو "ظني"!
الرواية المقدمة احترافية لأبعد الحدود ومختلفة عن الروايات التي قُدمت عن توجيه الاتهام إلى سورية، فهي لا تحوي حالة ملحمية ولا تركيب متناقض أو حتى مبالغ فيه يتناسب مع "الحملة الإعلامية"، فالتقرير في الواقع تعمد "الهدوء" وهو الأمر الذي يدفع إلى إعادة النظر فيه من حيث كم المعلومات التي وفرها وقدمها بشكل منظم، فالجريمة على طريقة القناة الكندية متدرجة ومرتبة بعكس التحقيق الذي ظهر وفق التقرير فوضوي أكثر من اللازم.
والمهم هنا أن الإعلام هيء الرأي العام لاحتمالات متعددة، فهو ثبت الصورة الذهنية لإمكانية قيام "حزب الله" بأي عمل مع بقائه بعيدا عن الشبهات لفترة طويلة، ورسخ نموذج لعمله الاستخباراتي يمكن من خلالها صياغة "حوادث" جديدة تشبه إلى حد بعيد طريقة رسم "القاعدة" داخل الإعلام ولكن بشكل أكثر "تنظيما" فهناك مراعاة لكون الحزب "متمكن" في لبنان، وبذلك لم تعد مسألة محاكمة المتهمين مهمة طالما أن "مشهد" حزب الله يبدو في موضع شبهة ليس فقط باغتيال الحريري بل بعمليات أخرى ربما تحدث مستقبلا، وربما هذا الأمر هو الذي دفع القاضي دانيال بلمار للحديث عن خطورة التقرير وأنه يهدد حياة البعض.
المسألة اليوم لم تعد تهمة فما قام به الإعلام بـ"التواطؤ" مع المحكمة هو "تجريم" الخيارات السياسية، وربما نبتعد اليوم عن مصداقية الأدلة المقدمة لنواجه خطابا إعلاميا يمكن عبره إعادة ترتيب الحوادث حتى لمرحلة ما قبل اغتيال الحريري، ليبدو الخيار السياسي لحزب الله "مشكوكا" فيه، لأنه سيظهر كخيار متعمد من أجل الوصول بلبنان لنقطة معينة، فـ"إسرائيل" ليست المستفيد من هذا الأمر بل هي تقف على رأس الموضوع، أو هي جوهر القضية كونها الخيار الآخر الذي سيظهر بعد أن أصبح تاريخ المقاومة "رماديا" وفق التقرير المقدم.
في المعنى العميق كل التسريبات الإعلامية هي فتح لملف يمكن عبره محاسبة "حزب الله" بعيدا عن اغتيال الحريري، لأنه أصبح مدانا بجرائم مختلفة ستظهر تباعا إذا استمر "المسلسل الإعلامي" ببث تسريباته المتتالية، وإذا استمر أيضا التدويل في هذه القضية لأنه تدويل لسياسة المنطقة وليس لموضوع الاغتيال.
كل الخيوط أصبحت خارج لبنان ابتداء من التسريبات وانتهاء برسم السيناريوهات وترتيب الشخصيات وخلق الرموز، وربما على الأبطال الذين وضعوا هذا الملف خارج لبنان أن ينظروا إلى المشهد الجديد الذي أوجدوه ويتم تحديثه وفق تطورات المصالح البعيدة كليا عن لبنان.