الكاتبة : ربى الحصري

رد فعل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كان ملفتا لجهة واحدة، فالمسألة بالنسبة لوثائق ويكيليكس "لا قيمة لها"، وهو بذلك يحاول تجنب الإشارات المتتالية إلى بلاده بشأن "مهادنتها" أو "ضربها"، ويعفي نفسه من مسألة التوترات التي يمكن أن تظهر على سطح العلاقات السياسية مع باقي دول الخليج.

ولا شك أن مسألة السياسية تبقى أعمق من التصريحات، فبالنسبة للدول لا حاجة لهذه الوثائق كي تعرف كل حكومة مواقف الآخرين منها، وفي نفس الوقت هناك جانب آخر مرتبط بنوعية "الكشف" الذي ظهر فيها وهو مرتبط بالتحدي الأساسي بشأن إيران وعلاقاتها مع الدول العربية، فصحيح أن الوثائق لم تقدم جديدا على ما هو معروف سلفا على الأقل من خلال الحملات الإعلامية في الفضائيات العربية، لكنها أوضحت حجم "الهم الإيراني" في مساحة "الاهتمام العربي"، وهو يغلب "الهم الفلسطيني".

والوثائق من جهة أخرى تضع الإستراتيجية العربية على مساحة من الضوء، فالدور الإيراني مقلق وعلى الأخص أنها استطاعت النفاذ إلى القضية الأساسية بالنسبة للعرب، بينما تحول المسار العربي باتجاه آخر يحمل التآلف وأحيانا الانسجام مع "إسرائيل"، والغريب أن ازدياد القلق من إيران تصاعد في اللحظة التي التفتت فيها طهران نحو المسألة الفلسطينية، لكن هذا الأمر لا يبدو أنه يأخذ حيزا من الاهتمام العربي فالشأن الأساسي هو التعامل مع النتيجة المباشرة أي الدور الإيراني، وليس مع التحولات التي شهدتها المنطقة.

في وثائق ويكيليكس تجاوز كامل لنمطية التعامل مع المعلومات، وهو الأمر الثاني الذي يمس "المنطقة العربية"، فعادة ما يتم التعامل مع المعلومات على شاكلة "الحرمة" أي أنها من اختصاص "جهة" تبدو وكأنها "خفية" أو "علية"، فقدسية المعلومة تستمد شرعيتها من نظام ثقافي تحول فيه "الوحي" باتجاه حالة أخرى تصبح فيها تصرفات السياسيين وكأنها "إلهام" وتحركاتهم لها "أبعاد" تشابه مسألة الوحي في كونها معتمدة على قاعدة أوسع من الاطلاع والمعرفة.

هذه الصورة هي التي تقف في الواقع حاجزا أمام حرية المعلومات وليس القوانين والإجراءات، فالواضح أن "المعلومة" تعتبر شأنا شخصيا يشبه "حرمة العرض" حتى ولو كانت عند مستويات دنيا من سوية القرارات السياسية او الاقتصادية أو حتى الاجتماعية، بينما تظهر ويكيليكس حالة مناقضة حيث لا حرمة في العمل العام، وهو شأن له سلبيات يمكن أن نعددها في مجلدات، لكن الأمر يوضح أن أوروبا، تلك القارة العجوز، رغم تربع الولايات المتحدة على عرش العالم، ماتزال تمتلك جرأة في تجاوز "الخطوط الحمر" سياسيا ومعرفيا أكثر من غيرها.

كثير من السياسيين في العالم العربي لن يشعروا بالحرج من تلك الوثائق لأنها رغم اخترقها لـ"حرمة" المعلومة، لكنها بالنسبة لهم ستبقى في موقع بعيد طالما أن هناك "تكوين" ثقافي يجعل من الحديث عنهم عبر الوثائق يوازي مفهوم "الزندقة"، فهم تصرفوا بهذا الشكل لأنهم في النهاية "مرجع معرفي" قبل أن يكونوا سياسيين، فالوثائق هي مجرد حالة على هامش لن تغير من الأمر شيئا.