يتساءل بول سالم في (جريدة لحياة 28 ـ10 ـ 2010) كيف يمكننا استعادة زخمنا المعرفي في القرن الحالي؟ طبعا بعد أن قدم لهذا التساؤل بقوله (قبل ثمانية قرون مضت كان العرب رواد العالم في مجال العلم والتكنولوجيا لكنهم اليوم في عداد من هم أسفل القائمة).

لا أدري لماذا علينا استعادة زخمنا المعرفي التليد؟ والأهم من هذه الـ( لماذا ) كيف نستعيده على افتراض أنه ضرورة؟

لا أعتقد أن هناك حاجة ماسة وحقيقية لاستعادة هذا الزخم خصوصا إذا اتكأنا على الثقافة الاجتماعية التي تعنى بالعيش اليومي الفردي، وإذا ثارت هذه الثقافة وتحركت فإنها تتحرك تجاه خلاص فردي آخر هو الذهاب الى الجنة، حيث تبدو ظروف هذه الاستعادة فانتازيا تحبط أكثر مما تعطي من آمال تجاه تحسن الأداء المجتمعي باتجاه نهضة ما، لتبدو هذه الـ(لماذا) والـ(الكيف) تهويمية وكأنها تقول ليس بالإمكان أحسن مما كان، انطلاقا من عدم مقدرتنا على محاسبة الماضي الذي يمكن تلخيصه بالثمانية قرون الأخيرة، فهل يمكن لأحد أن يجرؤ (ناهيك عن الثقافة الاجتماعية نفسها) على المحاسبة النقدية لهذه القرون الثمانية على الأقل والإشارة إلى المسؤول عنها، أو حتى اكتشافه؟ بالطبع لا وحتى عندما تتمظهر الجرأة في مشاريع ثقافية (هي فردية على الأغلب) يبدو أجرأها تصالحيا مع هذا الماضي إذا لم يكن توفيقيا ولكن في العموم تبدو تبريرية وتنتصر لهذا الماضي ، بحيث لايظل إلا نقله أو الانتقال اليه بصفة تجريبية عسى ولعل أن ينجح (يزبط) ومن بعد التجربة يمكننا تقييم هل كنا على صواب أم لا، حيث تتجلى الفانتازيا بأبهى صورها .

(كيف) و (ولماذا) في مجتمعات تمارس كل أسباب التشرذم والانقسام وهي على علم مسبق بمضارها ولكنها مصرة على أن هذه الممارسات لن تؤدي الى التشرذم والانقسام، فعندما نقول فتنة (لا زلنا نسمي نتائج أعمالنا بالتسمية التراثية نفسها "فتنة") ونعرف الى أين تتجه وما هي نتائجها ، ولكننا نصر أن نمارس كل ألأفاعيل المؤدية اليها (العراق ـ السودان ـ الصومال ـ اليمن الخ) ومن ثم نكتوي بنارها الواضحة لنا منذ أجيال، ومن بعدها نأخذ براءة ذمة منها لإنها " فتنة " وليست نتائج أعمال على أرض الواقع. لتبدو أن استعادة الزخم العلمي المعرفي كأحجية سخيفة نرفض الإجابة الصحيحة عليها .

لا نبدو كأقوام أننا بحاجة الى استعادة هذا الزخم (زخمنا) فنحن وعمليا وبشكل واضح وبأغلبية عددية (يقال فيها أنها ديمقراطية) نرفض نرفض ليس استعادة هذا الزخم فقط بل نرفض الحصول على زخم جديد نؤسسه انطلاقا من إرادتنا إذا لم نقل من مصلحتنا.

من قال أننا نريد استعادة زخمنا (هذا إذا كان حقيقيا) نحن نريد فقط أن نكون مثل بقية بشر هذا العالم نستخدم عقولنا في ألأشياء المفيدة والمنتجة التي تبعد عنا غوائل الحاجة، ربما وإذا كنا واقعيون أكثر نريد أن نبقى كما نحن ونحافظ على ذلك، لإن المؤشرات العربية تقول عكس ذلك وليس لدينا الإمكانية الحقيقية المؤهلة للدفاع عن ما نحن عليه (هل نستطيع أن ننظر إلى استفتاء انفصال جنوب السودان وأسبابه الواقعية وليس الإعلامية وهذا على سبيل المثال لا الحصر)!!!

ألا نرى في السؤال نفسه نشازا (سؤال استعادة الزخم) والأقوام العربية تنزلق الى هاوياتها الخاصة (بفعل الاستقلال وليس بفعل الاستعمار) فقط لإنها حرة بإختياراتها (كامب ديفيد وغيره وأشباهه) أو إستجلاب الإستعمار عبر التدويل كخيار وطني (محكمة لبنان الدولية، وكذا في دارفور).

عن أية استعادة نتكلم؟ فطامة كبرى أن نقبل بأن يعيد التاريخ نفسه حتى ولو على سبيل المنفعة....