الكاتب : حسان عبه جي

لا أعتقد أن الانسحاب من الغجر سيشكل معضلة بالنسبة لمجموع الأزمات القائمة، وهو في نفس الوقت لا يدخل ضمن سياق "العمل الإسرائيلي"، فعندما يبدو أن الغرض منه هو مجرد إحراج المقاومة اللبنانية فإن "إسرائيل" تملك استراتيجية تجاه المقاومة بغض النظر عن "الأسباب أو الحجج"، فالانسحاب من الغجر الذي يبدو على هامش الحدث السياسي ربما يشكل "نموذج إرباك" داخل التكوين اللبناني أو حتى الإقليمي.

في العنوان العريض للانسحاب "ضوء إعلامي" واضح يقدم صورة على "قدرة إسرائيل" على دفع "ثمن التسوية"، وبالطبع فإن الإعلام لن يهتم بحجم هذا الانسحاب أو أهميته أو وجوده ضمن آلية سياسية محددة، فحالة النمذجة ستطال هذا الأمر لتقدم "تقدما" في مسألة التسوية، حيث تبدو "الحكومة الإسرائيلي" في موقف مرن وقادر على تقدم "تنازلات"، فحركة الانسحاب تبدو "إعلامية" بالدرجة الأولى، لكنها تحمل معها مؤشرات ثلاث:

• الأولى التحرك على خط الأزمة اللبنانية، فهي تعرف أن مثل هذا الانسحاب لن يشكل ضغطا على حزب الله، لكنه سيخلق إرباكا في مسألة "المناطق المحتلة" التي يتحدث عنها حزب الله، فهي تنقل الأمر إلى "إجراءات على الأرض" في وقت يصر حزب الله على طرح إستراتيجية وطنية للدفاع، فهناك مسألة سياسية يتم زجها في عمق الجدل الدائر اليوم حول قضايا المقاومة إجمالا.

• الثاني هو الطريقة التي سيتم عبرها معالجة الانسحاب بين سورية ولبنان، فـ"إسرائيل" تعتقد أنها انتقلت بهذا الأمر مباشرة إلى قضية مربكة بالنسبة للبلدين متعلقة بترسيم الحدود، وهي بالتأكيد لن تراهن على التصرف اللبناني - السوري بهذا الخصوص بل على التحرك الدولي الذي سيعيد تقييم تطبيق اتفاق 1995 بعد الانسحاب، وهنا جوقة كاملة ستبدأ بالعزف سواء داخل لبنان او خارجه بشأن عملية الترسيم.

• المؤشر الثالث يبدو في ظاهره مرتبطة بـ"الداخل الإسرائيلي"، فالاحتلال سينسحب ليجعل الموضوع مرتبطا بقضية سكانية، ولن نعيد هنا تكرار قصة أهالي الغجر بعد حرب عام 1967، ولكنهم سيواجهون نفس الأزمة وستضع "إسرائيل" الخيارات أمامهم وسيبدو الأمر وكأنه مسألة ديموغرافية بدل ان يكون قضية احتلال.

بالطبع لنا أن نحتار من التصرف "الإسرائيلي" (وذلك على طريقة عبد الرحمن الراشد) الذي يحمل معه مسائل "الإرباك" السياسي فقط، فقضية الانسحاب لا قيمة لها في الأزمات العالقة إلا أنها ستكون "نموذجا" مستقلا يجب أن يتفاعل وفق "المنطق الإسرائيلي" دوليا وإقليميا، فالحيرة الحقيقية هي في آلية التعامل مع هذا الانسحاب، لأن كافة الانسحابات الإسرائيلية كانت تهيئة لأزمة، وغزة تبدو نموذجا لهذا الأمر، فالموضوع ليس موقفا ضد الانسحاب بل محاولة لعدم جعله نقطة انتقال لأزمة مختلفة.