تبدو المشكلة داخل لجنة المتابعة العربية في عدم بلورة تصور لعملية انهيار التسوية، فهو خيار مطلق ووحيد ومن الصعب تجاوز إطاره للبحث عن مساحات مختلفة في التحرك السياسي، وربما من هذه الزاوية فإن ترك باب العمل السياسي مفتوحا ولو على فراغ هو الحل الأمثل لمشاورات اللجنة، لكن هذا التكتيك له أغراض لا ترتبط بالضرورة بعملية التسوية، لأن "التسوية" بذاتها" على ما يبدو نقطة لتجميع مصالح داخل النظام العربي.

وإذا كانت لجنة المتابعة لا تفاجئ أحد في توصياتها، فإنها في الوقت نفسه تعطي مرونة للتعامل مع السياسة الأمريكية من زوايا مختلفة، وبالتالي فهي تريد إبقاء التفكير بأن الأوراق الأمريكية لا يمكن أن تنفذ، وأن "إسرائيل لا تتعامل إلا مع هذه الأوراق رغم "الفشل" الأمريكي في المساعي الأخيرة لوقف الاستيطان، هذا إذا كان ثمة فشل أخير.

لكن التسوية وفق الصورة الأمريكية تحتاج بالفعل إلى إعادة ربطها بعمل النظام العربي حتى نستطيع فهمها بشكل كامل، ونجد هنا مؤشرين:

الأول: أن مسألة اعتبار الولايات المتحدة هي "المقرر" الوحيد في عملية التسوية هو "خيار" عربي بالدرجة الأولى، فصحيح أن الولايات المتحدة تشكل القوة الأعظم في العالم لكن "الخيار العربي" ظهر في مرحلة الحرب الباردة، ومن جهة أخرى فإنه سد المنافذ على اتجاهات أخرى يمكن التعامل معها وهي وإن كانت لا تشكل التسوية بشكلها النهائي، إلا انها على الأقل تحاصر "إسرائيل" وتضعف من خياراتها السياسية، فما جدوى مطالبة أوروبا بلعب دور أكبر في التسوية في وقت تبقى الولايات المتحدة هي المرجع النهائي وربما المطلق.

الثاني: هو ان تجميع المصالح للنظام العربي يتم على "مساحة" التسوية، فهي نقطة استقطاب لـ"تيار" إن صح التعبير، وهو ليس مجرد استقطاب سياسي بل يمكن اعتبار حركة عامة داخل المنطقة تستطيع دعم التحرك الأمريكي، في مقابل حصانة وسلة حوافز نسمع عنها دائما، فالتسويات الحقيقية تجري حول "عملية التسوية" من أجل اقتسام الأدوار في المنطقة.

وفق هذه الصورة فإن "انهيار" عملية السلام غير واردة، فهي منطقة "محايدة" داخل الحركة الدبلوماسية يمكن للجميع الدخول إليها وإيجاد التفاهمات، وذلك بغض النظر عن القيمة الحقيقية لهذا الحراك تجاه نجاح او فشل التسوية، فعبر هذه الآلية يتم رسم الأدوار وتحديد المسارات بعيدا عن الاحتلال أو "الإنجاز" او "تحقيق" الدولة الفلسطينية".

ربما انتقلت قضية فلسطين من كونها "قضية العرب المركزية" إلى قضية البحث خارطة سياسية تتغير باستمرار ويتم في كل مرة إعادة تركيب الأدوار الإقليمية، وعلى هامش هذا الموضوع، فإن العمل الدبلوماسي يستهلك الخيارات الأخرى سواء كانت "مقاومة" أو اللجوء إلى التعامل السياسي مع شركاء جدد في العالم، بينما تبقى لجنة المتبعة على "مبادرتها" التي نسي حتى أصحابها.