مجرد التذكر لا يكفي، لأن عمق الحالة التي عشناها كان يوازي كشفا او نبوءة، لكننا على ما يبدو لا نملك ذلك الإبداع الذي يصبح في لحظة وحيا، فنسجل شريعة لما بعد غزة، ومحاكمات لما قبلها وبعدها، ونركب الحروف مصطلحات جديدة عليها أن تطرق عقلنا حتى يتكسر ذلك "الغلاف السياسي" الذي يضع المفاوضات في مرتبة الإيمان، ويطبق "الرجم على الذين تجاوزوا حدود التسوية فاستطاعوا ممارسة "الزنا" على طريقتهم، طالما أن "الزنا السياسي" مباح في جميع الأوقات.

في غزة يمكن استبدال الرمل بالأرواح المتوفرة في سمائها، ونستطيع لملمة "الرصاص" لنصنع منه تمثالا يشهد على ثقافة "العهر الرسمي"، و "البغض" الذي تحول إلى "عشق" من حيث لا ندري في قمة الكويت، لكنه لوح برائحة النفط القادمة من شرم الشيخ، وكانت الأرقام كفيلة بتحويل الصور عن غزة ليظهر "آخر الزمان" حيث يمكن مصادفة "لكع بين لكع" في أروقة البيت الأبيض.

هي إذا "الشتيمة" تلك التي يمكن عبرها التخلص من الحنق حتى نعيش، وحتى نسأم من أوراق السياسة فتصبح الحياة أمامنا بألوانها الباهتة التي تنتظر من يجعلها بحجم "حيوية" تلك الأرض، وهي أيضا النطق بكل الحروف دفعة واحدة لأن الوقت لا يحتمل لكثير من الثرثرة، فعلينا إنزال اللعنات على طرف آخر لم يمارس القصف الجوي، بل استطاع أن يمحو من مساحة الدبلوماسية صورة غزة، ويختصر الدنيا بكلمتين "الدولة الفلسطينية".

فلنعرف تلك الدولة بكلمات ما بعد غزة... أو لنكتبها بالسيادة المرسومة بالدم في غزة... فهي "حرف علة" بكل ما تحمله قواميس ومعاجم العرب من تعريفات، لأن علينا ان نعرف ما قبلها وندرك أن حرف العلة غالبا ما يحذف، أو يتم قلبه على الأخص بوجود "الشرط الإسرائيلي".

حرف علة يختزن حالة السأم التي تجتاح العشاق عندما يعرفون أنهم مكتوبون في تلك الدولة كـ"مواطنين شرطيين"، وأن عليهم إطفاء الأنوار قبل أن يمارسوا الحب لأن الجميع يراقبهم، ولأن "العسكر" لا يلاحقون "الإرهابيين" بكل إمكانية الخصب ما بين البحر والنهر.

لماذا العشاق في هذه اللحظة؟ لأن حرف العلة لم يترك أمام غزة سوى حالة الوجد، فالبحر كفيل بإثارة العواطف، والأنفاق المهددة بالإغلاق ستعيد الرسم الغزاوي لـ"حائط برلين" ولكنه اليوم تحت الأرض، أما الرمل المبقي من صحراء النقب فهو الذي يجعل الرؤية مستحيلة فيما لو اتجهت العيون نحو جزيرة العرب.

لم تبقى سوى الشتيمة عالقة فيمن ينام على غزة ويستفيق عليها، ويفكر في تلك الألوان المرسومة في سمائها.... والشتيمة تكفي....