الكاتب : جورج حاجوج

لا تدّخر الولايات المتحدة الأمريكية جهداً إلا وتوظفه في خدمة الضغط، والضغط المتواصل على العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً "السلطة الفلسطينية على وجه التحديد" للقبول بتسوية أو سلام بالشروط "الإسرائيلية".. والضغط هنا، مفتوح على أكثر من اتجاه ومنحى، حسب ما يعرف الجميع، وحسب ما نُشر في "ويكيليكس"، دبلوماسياً واستخباراتياً وأمنياً ومالياً وعسكرياً، وربما أحياناً بالدخول على خط التراث العربي واعتماد أسلوب "تبويس الشوارب" على طريقة عفا الله عما ما مضى، حتى ولو كان ما مضى هو سابقة خطيرة لم يسجلها التاريخ أبداً، لجهة ظلم وقهر شعب بأكمله "الفلسطينيين"، ولجهة التعاطف والدعم غير المشروط وغير المحدود لدولة كـ "إسرائيل" ووفق المعايير والمقاييس المطروحة راهناً لمعنى الدولة "نقية العرق"!.

لا تخجل ولا تستحي واشنطن "وهذه وقاحة بطبيعة الحال والتوصيف" من أنها لا تدخر أيّ جهد في سبيل ممارسة هواية الموت البطيئ المدروس لشعب بأكمله "قطاع غزة مثلاً"، ولا تخجل مما فعلت في العراق أو أفغانستان أو الصومال أو السودان، ولا تخجل مما فعلت وتفعل في العالم كله، وهي بالتأكيد لن تخجل من كل ما كشفه موقع "ويكيليكس"، وخصوصاً فيما يتعلق بتشعبات واختلاطات ملف السلام في الشرق الأوسط.. كل هذا لا تخجل به!.. لكن، ومن باب الإنصاف، لا بد من الإشارة إلى أنها ـ أي واشنطن ـ تعلن وعلى استحياء "وهو وجه آخر للوقاحة" فشلها في إقناع "إسرائيل" بفكرة التجميد المؤقت للاستيطان، وبالاستحياء نفسه تتلقف بـ "تفهم وحنان" تصريحات "المسؤولين الإسرائيليين" وردودهم الوقحة على تصريحات الإدارة الأمريكية، ابتداءً من الرئيس باراك أوباما، مروراً بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وانتهاء بأصغر موظف في البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية!.

إعلان الفشل الأمريكي هذا، لا يعني نهاية المطاف والوصول إلى طريق مسدود عند الإدارة الأمريكية، إنما يعني البحث عن قفزات والتفافات دبلوماسية أمريكية من شأنها تحقيق المزيد من المصالح والمطالب "الإسرائيلية".. إحدى هذه القفزات الرشيقة البهلوانية، يمكن عنونتها بـ : "كلينتون القلقة على دولة إسرائيل اليهودية!".. إذ ما إن أعلنت واشنطن فشلها المذكور أعلاه ـ وهذا ما أثلج صدور "الإسرائيليين" لأنهم وبحكم التجربة، يعرفون أن ثمة مكاسب جديدة ـ حتى أطلّت علينا وزيرة الخارجية الأمريكية السيدة هيلاري كلينتون "العلمانية، في أكبر وأقوى دولة علمانية، أو هكذا يُفترض" لتعزف على وتر تعشقه "إسرائيل": "الدولة اليهودية" الصافية النقية و.. في القرن الواحد والعشرين!.

دخلت كلينتون على الخط من الباب "الإسرائيلي" لتظهر قلقها على "يهودية الدولة" ومصيرها المُهدَّد بانعدام الصفاء والنقاء العرقي "اليهودي طبعاً"، فيما لو استمرت "إسرائيل" برفضها تجميداً مؤقتاً للاستيطان!.. "إسرائيل" بدورها، لا بد أن تكون ممتنة من قلق كلينتون وحرصها على "يهودية الدولة"، أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وهذه ربما تكون أحدث وآخر التقليعات وأكثرها طرافة ومأساوية في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي ـ كموقف حريص!! ـ لم تحصل في تاريخ العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" المعجون بأجساد ودماء الفلسطينيين على مدى عقود طويلة، حفاظاً على "أمن إسرائيل ونقاء دماء مواطنيها"!.

أيّ قَرَف هذا الذي تقدمه للعالم كلّ من واشنطن و"إسرائيل"؟!.. أيّ عنصرية هذه التي تسوّقها واشنطن و"إسرائيل" وبكل وقاحة؟!..

ربما أن هذا العالم المسكين الذي يستحق الشفقة، لا يعرف أن بانتظاره الأسوأ والأقسى والأكثر كارثية، لطالما أنه ما يزال يحكمه رجل الكاوبوي الذي لم يستبدل من ثقافته وإرثه القائمين أساساً على بيع أو شراء فروة رأس الهندي الأحمر ـ الإنسان بدولار أمريكي واحد، إلا "الطقم السموكن وربطة العنق"!!.