هل ستضعنا ويكليكس خلال نشرها للوثائق أمام عالم جديد، عليه أن يختار بين المصالح والأخلاق الاعتيادية؟ ثم هل يضعنا هذا الموقع أمام تعريف جديد للمعلومة الصحفية؟

ماذا أيضا؟ يمكننا أن نسرد عشرات الأسئلة الناجمة عن (وكيليكس غيت) هذه، فالموضوع يتعدى الفضح لمتلازمة السياسة ـ الأخلاق الحميدة التي تتباهى بها كل الأمم، ليصل الى أنظار من يتكلم، لتبدو قضية الأخلاق في السياسة وكأنها مزحة تاريخية يقبل عليها الجميع بهضمنة منقطعة النظير.

نعم وضعنا موقع وكيليكس، أمام أسئلة محرجة، ولكن المشكلة أنه لا جواب عليها إلا بمزيد من اللامبالاة بها على أساس أن الفاس وقعت بالراس وهذا هو الموجود فإن أعجبكم كان به وإن لم يعجبكم (فبلطوا الزرقاء)، لتبدو الحقيقة ذاتها ككذبة أبدية مفروضة من أقوى حسب ترتبية القوة المتوفرة.

ولكن المهم في هذا كله هل ستبقى الصحافة على ما هي بعد نشر وثائق الخارجية الأمريكية؟ وهل ستبقى ردود الأفعال على الفضائح كما هي أم أنها سوف تتطور لتصبح لا مبالاة هي الأخرى، أللهم أن الصحافة كسلعة سوف تذهب وكعادتها الى مصالحها ولن تكون الحقيقة هي المعيار بل تبادل المصالح أي كما كانت من قبل، ولتبق ويكليكس وأمثالها المستقبليين مجرد زوبعة في فنجان، فالتأثير الوحيد الذي يمكن الركون اليه نتيجة هكذا شجاعة أو نتيجة هكذا حب جارف للحقيقة، هو حالات الأمن والشبع والعدالة، ولا أظن أن ويكليكس سوف تسهم فيها من قريب أو بعيد لمجرد أنها فضائح لا تمتلك فعليا أدوات المحاسبة عليها وربما بشكل أكثر إلحاحا أدلة ومتهمين ومذنبين .

لا أدري إذا كان ما فعلته وكليكس من نشر للوثائق مفيد أم لا، ولكني أعرف أن هناك شيئا في الأفق يقول أن الإختزان المعرفي لم يعد تراكميا ، بل مكثفا ومختصرا وسريعا، يتجاوز في لحظات ما يحتاج الى أعوام فهل هذا يضع العربة أمام الحصان أم ماذا!

انها تجربة عن لحظة إرتباك كونية بين التكنولوجيا الأحدث مع ما قبله وكذا الأخلاق الأحدث مع ما قبلها، وأيضا مفهوم القوة مع ما قبله، ما يجعل المعلومة الصحفية العالم ثالثية كلعب عيال وإهدار للوقت، مع العلم أن المعلومة الوكليكسية ليست أكثر جدوى.