هناك استراحة لا بد منها، لأن الإيقاع السياسي يحمل معه الكثير من التحليلات، وبعضا من البحث في عمق ما نملكه، فتغيب في أغلب الأحيان ساحة التفكير الحقيقية بحجم الأزمة أو ممكنات تحطيمها، وهو ما يدفع في الأيام الأخيرة لعام ينقضي للبحث في "مغارة المهد" عن واقع آخر، فالاحتفالات ورصد بيت لحم قبل الميلاد لا تشكل إلا جزء من عمق ما يمكن أن يظهر إذا فكرنا بالدخول مجددا لتلك المغارة.

هي أولا تخصنا كجغرافية، ولا يكفي أن يجلس الرئيس محمود عباس في ليلة الميلاد في بيت لحم أن نستعيد "الوعي" بأن تلك المغارة هي لنا ولا نستطيع أن نقدم "تنظيرا" يجعلها تجاور حالة أخرى لا يمكن وصفها سوى بأنها "احتلال" يهدف لتغييب التاريخ وحجب المستقبل، ولا يكفي زيارة سلام فياض بكل ما يملكه من تنظير "الرفاه" و "الإنعاش الاقتصادي" إلى بيت جالا ليشعل شجرة الميلاد، فيعود لنا الإحساس بأن جغرافية السيد المسيح هي في الواقع جزء منا.

الأمر أكثر تعقيدا من اعترافات تظهر اليوم في دول أمريكا اللاتينية، فهي على أهميتها تبقى في نطاق الحسابات السياسية، لكن الخطير هو ما يحدث على مستوى الحراك الفلسطيني أو حتى في الجوار الجغرافي لدولة الاحتلال، لأن السيد المسيح لم يجلس في المغارة بل انطلق نحو أبعاد أخرى، ونحن هنا لسنا أمام سيرة دينية أو تاريخ قديم بل في مواجهة حقائق ثقافية ووطنية أيضا، فتاريخ العالم لا يصب في كنسية المهد إنما هي التي انطلقت في أرجاء الدنيا، وتصورنا اليوم على ما يبدو ينحصر داخل البلدات والقدرة على التحكم الأمني بها، أو يتحرك نحو غزة والاتهامات التي تصدر من فتح وحماس....

في عمق مغارة المهد ربما تظهر المسألة أوضح، حيث لم يكن هناك مجال لـ"التسوية" لأن الحياة الجديدة يجب أن تنطلق، فهل نحن عاجزون عن تجسيد هذا الأمر بعد ألفي عام؟! بالطبع نستطيع تغير المسميات لأنها في النهاية تحمل نفس الدلالة، وباستطاعتنا الحدث عن "الخلاص" و "الخطيئة" كصور إضافية للحرية والاحتلال، فالمعنى هنا ربما يتسع لكننا لن نستطيع "الخلاص" مادامت عقولنا قادرة على التقلص والانحسار باتجاه جدل محمود عباس و محمد دحلان!!!

مرة أخرى فإن "مغارة المهد" تفتح هذا الأفق الذي يكسر تصريحات البطرياك صفير، لأننا نعرف أننا أبناء هذه المنطقة وبالتالي أبناء "الخلاص" الذي نريده بغض النظر عن الصور الضيقة التي تجسدت في مرحلة انهيار التفكير، وتقلص الثقافة لتصبح حبيسة "رجال التراث" مهما كانت معتقداتهم.

يمكن ان نسترح في "مغارة المهد" لنتزود بأفق مختلف يعفينا من صخب التحليلات السياسية، فربما نخرج ونحن نشعر بأن "خلاصنا" هو من نوع مختلف ويحمل حيوية قادرة على تجاوز ضيق الحلول السياسية.....