الكاتب : حسان عبه جي

في اللحظة الأولى يمكن ان نتحدث عن صدمة، لكن الأيام حملت معها سيناريو سياسي مختلف، فالعدوان على غزة كان من المفترض أن يرسم رهانات جديدة بالنسبة للشرق الأوسط، وهو أمر بقي معلقا منذ احتلال العراق عندما فرضت التداعيات عملية فصل استراتيجي حاد للمنطقة، في وقت بدت حالة "الشرق الأوسط الجديد" وكأنها تصفية للجغرافية - السياسية أكثر من كونها تكوينا سياسيا جديدا.

الصدمة على ما يبدو تظهر في نوعية "الخيارات الإسرائيلية"، فبعد أكثر من نصف قرن على الصراع العربي - الإسرائيلي، فإن جيش الاحتلال يخوض حروبا ضد تيارات وليس دولا، ويراهن على تغيير معادلة الصراع من خلال حروب ضد حركات أو أحزاب، لكنه يخوض معاركه بنفس الطريقة التي استخدمها ضد الدول العربية، فهل كانت معارك غزة قادرة على إحداث "التبدل" الذي أرادته حكومة ليفني في تلك الفترة؟

والصدمة أيضا تظهر في أن الحروب بدت وكأنها على "الأطراف" المرتبطة بالصراع، وهو مأزق استراتيجي لا تعاني منه "إسرائيل" فقط، فنقطة الجمود التي وصلت إليها الجبهات فرضت قانونها على ما يبدو، لكن ما حدث بين أعوام 2006 و 2008 يوضح أمرين أساسيين:

الأول أن مسألة تغيير قواعد الصراع يتطلب أكثر من مجرد حربا خاطفة أو تشتيت الصراع باتجاه جبهات مختلفة، فالمطلوب أساسا فرض التحول من القاعدة الاجتماعية وهو ما يفسر نوعية العنف الذي تم استخدامه، فـ"إسرائيل" تعرف على الأقل ردود الفعل العربي الرسمي، لكنها غير قادرة على تحييد تداعيات ما يحدث على الصعيد الاجتماعي إن صح التعبير.

الثاني إن قواعد الصراع السابقة التي تم ترتيبها على أساس وجود احتلال والاعتراف بالأمر الواقع الذي يفرضه هذا الاحتلال لم تعد كافية، حيث لا بد من وضع "الاحتلال" ضمن الخارطة الإقليمية، وهذا الأمر كان واضحا عبر تحميل أطراف إقليمية مسؤولية ما جرى في غزة، والحديث عن أدوار لدول بعينها تريد عرقلة السلام، فضرب غزة لم يكن حالة رمزية لـ"حروب" بالوكالة، لأنه كان يسعى إلى استبعاد الظواهر التي لا تخضع للقواعد المفروض وفق عملية التسوية أو التي تسير بشكل غير منضبط مع حسن النوايا المقدمة في المبادرة العربية.

ما يمكن قراءته اليوم من تغيير قواعد الصراع هو عملية "الحسم السياسي" السريع التي بدت مواكبة لنوعية العنف الذي استخدم في غزة ولبنان، فـ"إسرائيل" لم تكن تتحرك وفق مفهومها على "أرض العدو" بل على جغرافية فيها "أصدقاء" يمكن أن يظهروا ويقوا بالحسم السياسي بعد أن ينتهي الحسم العسكري، لكن هذه "القواعد" مازالت تشكل أزمة لأن عدم القدرة على الحسم خلق "فحوة" داخل النظام السياسي العربي، فهو لم يعد مكشوفا فقط إنما غير قادر على تحديد خيارات مختلفة عن تلك التي اعتمدها قبل حرب غزة... فهل سننتظر حربا جديدة.