الكاتب : حسان عبه جي

المسألة لا تتعلق بسرد الأحداث التي حملها العام الذي يمضي، فالسياسة السورية يصعب قياسها بـ"حركة" النشاط الدبلوماسي، في وقت تبدو فيه "أزمات" الشرق الأوسط تدخل في مسار حرج يوحي بأن العام القادم ربما يحمل "تداعيات" كثيرة، وربما علينا النظر إلى الأحداث برؤية مختلفة، فالنشاط الدبلوماسي ربما يقدم مشهدا بانوراميا، ولكن في عمق الحدث هناك صورة مختلفة لتحديات العام القادم.

المؤشر الأول الذي يمكن الانطلاق منه هو حجم "المناورات الإسرائيلية" التي شكلت خلال النصف الأول من هذا العام محاولة خلق مناخ حرب، وحملت تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي في هذا الموضوع أكثر من مجرد استعراض للقوة، إنما بدت وفق رسم استراتيجي خاص يسعى لإعادة ترتيب "المخاطر" وفق "الرؤية الإسرائيلية" على الأقل، والحديث عن جبهات متعددة لا تحمل بذاتها تكوين عسكري مشترك يقدم قلقا من نوعية التحالفات الإقليمية مع دمشق، فـ"إسرائيل" أرادت تأكيد نوعية جبهتها الإستراتيجية التي تقوم أساسا على التوازن الإقليمي القلق.

لكن المناورات بحد ذاتها كانت مقدمة لنوعية "خط التصعيد" الذي تعمل عليه "حكومة نتياهو"، فاللقاء الإيراني - السوري كان مستهدفا كعامل إقليمي قادر على خلق الخيارات البديلة، وذلك بغض النظر عن نوعية الحراك الدبلوماسي لكل من طهران ودمشق، وهو ما جعل لقاء دمشق ين الرئيسين أحمدي نجاد وبشار الأسد والذي ضم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يكتسب بعدا خاصا في التعامل مع التحدي الذي أرادته "إسرائيل" في تهيئة "بيئة حرب"، فرغم القراءات المختلفة لهذا اللقاء لكنه رسم ملامح في أن التعامل الإقليمي الذي تراه دمشق هو في إيجاد بدائل للخيارات "المخنوقة" والمطروحة ضمن إطار التسوية التي تسير دون الأخذ بعين الاعتبار حيوية المنطقة وطبيعة حراكها السياسي.

ويتضح من نوعية التسريبات التي بدأت بها صحيفة دير شبيغل الألمانية أن بيئة الحرب مرتبطة بمؤشر ثان هو "خلق الإرباك" داخل المعادلة الإقليمية، فعام 2010 وهو سنة "التسريبات" التي ظهرت وفق سياق خاص كان من المفترض أن يؤثر على نوعية التحرك على "الجانب العربي" على الأقل، وحمل معه أيضا "بوادر" عودة الأزمة باتجاه دمشق التي تلاقت فيها معظم الخيوط، ابتداء من لبنان ومرورا بالانتخابات العراقية وانتهاء بمسألة التسوية، وإذا كانت دمشق والرياض استطاعتا استيعاب الأزمة، بل وأكثر من ذلك الدخول إليها عبر قمة بيروت التي أوضحت أمرين:

الأول أن معادلة الاستقطاب القديمة لا يمكن أن تصبح "قاعدة دبلوماسية" يمكن استخدامها في أي ظرف.

الثاني أن الجهد الدبلوماسي بين دمشق والرياض يريد تجاوز "الاستيعاب السياسي" باتجاه إطلاق حلول نهائية لمسائل عالقة نتيجة عملية التدويل.

عمليا فإن دمشق كانت مطمئنة على الأقل لخلفية إستراتيجية في هذا التعامل، فهناك مشهد إقليمي يتسم بالانسجام النسبي، وهو ما ساعدها على التعامل مع الأزمة العراقية أيضا بشكل يتسم بالهدوء و "التنسيق" ما بين الرياض وطهران وأنقرة، فالمشهدين العراقي واللبناني تجمعهما خطوط مرتبطة بالتحركين الدولي والإقليمي، ومن الصعب إيجاد "سلة حلول"، أو مقايضات حسب بعض المصطلحات التي ظهرت إعلاميا منذ منتصف العام الجاري، لكن المسألة الأهم بالنسبة لسورية كانت تضح في إيجاد "قاعدة" مختلفة في عملية التعامل الإقليمية تجعل تأثير العوامل الإقليمية يوازي التأثيرات الأخرى.. فهل نجح هذا الأمر؟!

من الصعب إيجاد إجابة قاطعة لأننا أمام حيوية دبلوماسية في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت هناك رهانات متناقضة ما بين الأطراف وعلى الأخص "الإسرائيلي" الذي لا يمانع من "الخسارة الدبلوماسية" لصالح عامل الردع العسكري المباشر، وهذه المعادلة ستخضع لاختبار حقيقي خلال العام القادم لأن الاستراتيجية الأمريكي لا تستطيع التوقف عند نفس النقطة، كما أن المحكمة الدولية لن تبق مجرد ورقة ضغط، فهناك محاولات لشطب أطراف من المعادلة الإقليمية الأمر الذي سيحمل معه احتكاكا سياسيا حادا خلال العام القادم.

آخر مؤشر سوري على المستوى السياسي هي مسألة التحديد الاستراتيجي، فدمشق طرحت مسألة "ربط البحار" وهو موضوع ربما يحتاج لأكثر من "إطار نظر" وآليات دبلوماسية، لأن قراءته وفق الخارطة الدولية هي التي ستضعه وفق المشهد الدولي، وربما سارت دمشق في هذا الاتجاه من خلال التعامل مع العديد من القضايا الاقتصادية، وستواجه مستقبلا العديد من الأسئلة المتعلقة ليس فقط بالهوية الاقتصادية، بل أيضا بكيفية الانسجام بين هذا الطرح والنظام العربي، لأن ربط البحار هو في النهاية تحمل معها أبعادا سياسية متشعبة، تتقاطع مع عدد من الأزمات الراهنة وعلى الأخص مسألة الصراع مع "إسرائيل".

لم يكن عام "البرود السياسي" رغم ان "إسرائيل لم تخض فيه حروبا كالعادة، لكن المشهد الإقليمي يوشك على تقديم صورة مختلفة كليا عن بداية الألفية الثانية، وعلينا توقع داعيات مختلفة لهذا المشهد الذي يتطور بأسرع مما يتوقعه البعض.