ها قد مرت العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، بسهولة ويسر وسرعة كبيرة، فمنذ لحظات قليلة كنا في القرن العشرين، نرفل بحكايا الوعي وطرد الإستعمار ومقاومة المعاهدات، ونحلم بأدب وفن حديثين نتجاوز بهما حال الهشاشة اللاعقلانية التي كانت تؤطر بعض منتجات الثقافة الإجتماعية .

هل فاجأنا القرن الحادي والعشرين؟ ألم يقل لنا أحد أن هناك قرن جديد يقترب؟ يبدو الأمر كذلك، فعلى الرغم من الحوادث الجسام التي مرت يها الشعوب العربية مرور الكرام (وليس أقل)، مع أنها ليست أقل من مصيبة الـ 67، ولا من سايكس وبيكو، وربما ليست أقل من مصيبة فلسطين، ومع هذا يبدو الخط البياني للثقافة الإجتماعية في إنحدار مضطر يبعث على الحيرة!!! إذ يتساءل المرء ماذا هنالك؟ ما الذي يحصل في جنبات (العقل) العربي؟ وأين ذاك الوعي الموعود، الذي سوف يبعدنا عن المربع الأول الذي احتوى (وقتئذ) على مناقشة الخطوة الأولى لوجودنا الإجتماعي، عبر تأسيس ثقافة إجتماعية ما بعد عثمانية مستقلة قادرة على التصالح مع العالم بمنجزاته، عبر إستقرار ووضوح شكلها ومضمونها، وهذا ما قامت به العثمانية نفسها، بالانتقال الأتتاروركي من شكل ومضمون الى شكل ومضمون آخر قادر على الصمود في وجه الفالق السياسوـ اجتماعي الذي خلقته التكنولوجيا. لتبدو المشكلة بعد وأد عصر النهضة مع بداية خمسينيات القرن الماضي، وكأن المجتمعات العربية تحاصر بعضها البعض ثقافيا، بمعنى صنع جبهات بينية بدلا عن اللحاق بالنموذ الإجتماعي ألأجدر ثقافة بالنسبة الى العصر.

عشر سنوات من القرن الجديد لم ننتبه فيهاالى خسائر ثقافية في العراق ومصر ولبنان والسودان واليمن، إنطلاقا من حروب ثقافية عربية عربية، يرعاها ولا يسببها كل من له مصلحة في تخلفنا، من هنا تبدو مصيبة إحتلال العراق، ( مثلا) بسيطة أمام الإنهيار الثقافي في المجتمع العراقي الذي يدفع من دماء أهله ثمن هذا الانهيار، وكذا تقسيم السودان أو حروب اليمن السعيد والخ. حيث تبدو البنية الثقافية المتخلفة أساسا تعرضت لإجتياح ثقافي مدمر يحول العلم والتكنولوجيا الى أدوات سلبية تسهم في زيادة عدد الجثث، ومع هذا مرت العشرية الأولى من هذا القرن (برواق) وسرعة، حيث تؤكد لنا الجثث أننا فائضون عن حاجة الكون، فقط تلك الصور التلفزيونية التي تبلدت بتبلد ثقافة المتلقي لها أصبحت مشهدا اعتياديا، حتى وإن كان بتفاسير نظرية، تتراوح بين الترحم والإدانة، ولكنها لا تستطيع أن تخترق القشرة الصلبة للثقافة الإجتماعية التي كونتها عبر تراكم القتل المتبادل والمتنوع .

حرب تموز على المقاومة ومع أنها حرب شاملة ضدنا كلنا، إلا أن تقافة المجتمعات العربية لم تر فيها إلا ما تستطيع أن تفكر فيه من أولويات ثقافية، تساعد ثقافة المقاومة على انتكاسة ما ولو على سبيل العبث، حيث لا أحد يستطيع مقاومة العبث في معاركه الجانبية التفاصيلية التماحكية، (لتنزنق) المقاومات في في جدل عقيم ومكلف، حيث لم تر هذه الثقافة الحرب الشاملة علينا جميعا وحصرتها بالمقاومة كطرف يمكن للخلاف الثقافي أن يستهلكه بسهولة ولؤم .

هل تحصد المجتمعات العربية ثقافيا نتائج وأد الحداثة؟ أم أننا نمر بلحظة ترهل ثقافية؟ يمكن اعتبارها استمرار لعقل مريض يسعد ويرتاح في الفراغ اللانهائي للتنبلة الإجتماعية التي لن تحصد سوى الغبار؟؟؟