هل نحن متشائمون؟ أم متسرعون؟ أم مغرضون؟ أم محبطون (بكسر الباء)؟ عندما نقول أنه علينا رؤية الدراما التلفزيونية السورية إنتاجيا وصناعيا بعين واقعية تحتكم الى العقل؟

كثير من أهل هذه الدراما يقول أن صناعة الدراما التلفزيونية السورية لم تستطع أن ترسي تقاليد عمل، أو أنها مرتهنة الى الرقابة العربية، أو أن التنافس بين منتجيها ليس موضوعيا، أو دخول المخرجين والممثلين على مهنة الإنتاج أساء إليها، أو أن منتجيها لا يفقهون في الثقافة شيئا، أو أن هذه الدراما تفتقد إلى التنوع والانفتاح على أنواع التسلية الخ وكل هذه التوصيفات لاتؤدي بمطلقيها إلى اتهامهم بالتهم التي ذكرناها في بداية المقال، إنما فقط للذين ينظرون إلى الدراما التلفزيونية السورية بعين الواقع، القاسي والتنافسي المتحرك دون أن ينظر إلى الخلف وليس الأمنيات والآمال، حيث يمكن لنا بعد عشرة سنوات النظر إلى الخلف أي إلى التسسعينيات، ولسان الفخر والإشادة يلهج بذكر الأعمال (العظيمة) التي قدمتها الدراما السورية في ... تلك ... الأيام!!!!.

بعد عشرون عاما من انطلاقتها، أي هذه الأيام نستطيع السؤال وببساطة شديدة هل هناك دراما تلفزيونية سوريه هذه الأيام؟

دعونا نبدأ من إجابة على هذا السؤال الذي يلهج به أكثر من مثقف أو منتج أو فنان: الجواب هو ليس مهما توصيف الدراما التلفزيونية كسورية أو غيرها المهم هي دراما عربية تعبر عنا جميعا، وعبر هذا المنطق تطفو مسألتين الأولى أن الدراما التلفزيونية المصرية تكفي وتغطي كل أسواق العالم العربي بسهولة فلماذا العناء إذا والتنافس ما دام هناك دراما عربية تقوم بالمقام، المسألة الثانية لماذا التأفف والشكوى ومن ثم الانضواء تحت راية الرقابات الرسمية العربية، هذا يعني ومن الوجهة الثقافية على الأقل أن هناك ما تريد قوله هذه الدراما السورية، هذا (القول) أكثر إلحاحا من الشعارات، وأكثر حجما من مجرد الارتزاق على أبواب المحطات العربية التي أصبحت بالمصادفة (محطات خليجية؟؟!!)

هل هناك دراما تلفزيونية عربية؟ بمعنى انها قادرة على التعبير عن الجميع جميع العرب في شتى مناحي حضور الدراما التلفزيونية كوجبة ثقافية ترفيهية إعلانية؟؟

بالطبع لا، وإلا لما انضوت الدراما التلفزيونية واستجابت لشروط الرقابة المتنوعة، فتمايز أنواع الرقابة هو في الأساس تمايز ثقافي يؤسس لنوع من دراما مفترضة، هذه الدراما يجب أن تكون مشغولة باليد، بمعنى أن على كل رقابة أن تنتج درامتها، و إذا لم تستطع فعليها أن تكلف ورشات خارجية بتصنيع المطلوب، وهذا ما يسمى باللغة العامية (توصاية) أو (تواصي)، فإذا علمنا أن السوق والتسويق هي جزء أساسي من الإنتاج، فلسنا بحاجة الى لبيب هنا ليعرف نوعية الدراما التي يمكن إنتاجها عبر هذه الطريقة.

لنعود الى سؤالنا: هل هناك دراما تلفزيونية سورية هذه الأيام؟

المسألة ليست تشاؤم أو تفاؤل، ولا أمنيات أو أمال، بل هي واقع، السوق يفرض مواصفات السلعة ويطلب تفصيلها... هل هذا هو المآل الذي يرنو اليه إنتاج أية سلعة ثقافية؟ إذا كان كذلك أو كان (ما بتفرق)، فالقول في دراما تلفزيونية سورية مجاف للحقيقة، وإذا كان هدفنا مجرد تسويق مهارات محلية من كتابة وتمثيل وإخراج، فهذا مساو تماما لمهارات صناعة العبي والعقل والكلابيات النسائية التي تصدر من البلد الى بلدان الاستهلاك.

اليوم تتم التوصية على مسلسل أو فيلم، فيتراكض الصناع ويجدون في تنفيذ ما طلب منهم لا لكي يلحقوا بالموسم، بل تنفيذا لشروط التوصية، ومن ثم يمهرونها بخاتم (صنع في الدراما السورية) وعلينا الابتلاء بتلقيها ومن امتداحها والتفاخر بها وربما بنقدها أو التنظير لها، ولكنها وبالنهاية كحمل بواسطة تأجير الأرحام، على الوليد أن يذهب الى والديه، ومع هذا ليست مشكلة كبرى، المشكلة الكبرى هي أن عدم وجود هذه المهن والمهارات في بلاد التصدير له أسباب ثقافية، واليوم تبشر دراما (التواصي) بذات الثقافة التي سوف (أو بدأت) تنتج ذات الأسباب، فهل ستصبح صناعة المسلسلات تهريبا ثقافيا قريبا؟؟

من يعرف فليجبني: هل هناك دراما تلفزيونية سورية هذه الأيام ؟؟؟