الكاتب : حسان عبه جي

الحل في السودان سيقدم مساحة "رضى" دولية، فأي محاولة للعودة باتجاه الخلف ستذكرنا بـ"الحروب" والخلافات والمجاعات، وستقودنا باتجاه دولة موحدة ولكنها متناقضة، والانفصال أيضا يقدم نفسه في السودان كحالة نموذجية يمكن اعتمادها للخروج من "النزاعات" ولكن دون السؤال عن نوعية التشكيلات السياسية التي ستخلقها عملية الانفصال، فالمهم ضمن السياسة الدولية إيجاد النموذج دون الدخول بعملية البحث عن الأزمات الجديدة المتوقعة، وهو أمر ربما يشبه "نموذج أوسلو" الذي ظهر وربما انتهى، لكن تداعياته مستمرة.

ومن وجهة نظر مراقب دولي فإن "الرغبات" ستكون محترمة لأبعد الحدود، لأن الجنوب السوداني يشكل نسيجا لم يستطع الانضواء طوال تلك السنوات مع الدولة أو مع الشمال، فرغبة الانفصال تشبه إلى حد بعيد كل الآليات التي اتعبت القارة الأفريقية منذ عصر نهاية الاستعمار أو ما يسمى في بعض الأدبيات بـ"عصر حركات التحرر"، لكن الأمر يبدو وكأنه تعقيد لقناعات سابقة بأن "المجموعات البشرية" غير قادرة على صناعة حاضرها وربما مستقبلها، وأن ما أطلق عليه "حركات التحرر" مدانة بذاتها، فهي خملت تلك الصراعات الداخلية، وبالاتجاه غربا فإن القياس ربما يصح أيضا عندما يتحدث البعض عن أننا أضعنا أكثر من نصف قرن ثم نعود اليوم إلى الجلوس مع "الإسرائيليين"!!

هذه الأفكار تظهر باستمرار في التحليلات أو وجهات النظر، وتقدم المنطقة على أنها منقسمة بين تيار يسعى للتعامل مع واقع لا بد منه وآخر يحلم بالعودة لزمن آخر يصفه البعض بالشعارات، وفي كلا الحالتين فإن ما حدث ويحدث لا يحمل أي مؤشر على أن الأزمات يمكن أن تهدأ اعتماد أي حل يطرحه الطرفين المتنازعين، فهناك جغرافية فارغة سياسيا وفكريا ويصعب ملؤها بحلول أو مشاريع أو حتى بتبني الرضوخ للأمر الواقع.

في السودان حالة انفصال واقعة وبرضى إقليمي ودولي، ولكن دون أي سؤال مستقبلي، فأين نتجه؟ هو أمر لم يعد له موقع في مساحة السياسة الشرق أوسطية، ومن نحن؟ هو أيضا سؤال غريب وربما يدعو لسخرية البعض رغم أن صموئيل هنتنغتون بقي يطرح هذا السؤال لتحديد موقع "الأمة الأمريكية".

الأسئلة المنهجية لا تقع خارج السياسة ولا بعيدا عن حقوق الإنسان أو الليبرالية التي ينادي بها الجميع، ولا حتى خارج "حقوق تقرير المصير"، فالقفز فوق هذه الاعتبارات لا يقدم لنا أي منهجية مستقبلية سواء تم التسوية في الموضوع الفلسطيني أو انفصل الجنوب عن الشمال في السودان، أو حتى وصل فريق من اللبنانيين إلى "الحقيقة" فتنة طائفية أو بدونها.

والأسئلة المنهجية ستبقى نفسها وستنتج أبعادا مختلفة ربما تتجاوز حدود الموضوع السياسي الذي نتعامل معه اليوم، لأن قضية الانفصال لم تبدأ بعد وهي ستظهر بأزمات مختلفة فور ظهور "جمهوريتين"، فدون انكار "حق تقرير المصير" كي لا نغضب الإدارة الأمريكية أو جماعات حقوق الإنسان، لكن ما يحدث ينطلق بعيدا عن أي ساحة معرفية فهو توجهات ودوافع لا تملك "مسارا" محددا.... ويبقى أن نعود من جديد إلى البحث وربما رسم مساحة وجودنا.