الكاتب : زينب الدبس

يبدو أن المشهد الفلسطيني لا يختلف كثيراً عن نظيره العربي ، فبوادر انفراجة الأزمة داخل الصف الفلسطيني بين حركتي "فتح "و"حماس "وإمكانية عقد لقاء ثالث بينهما في العاصمة السورية دمشق أصبح أشبه بمن يراهن على السراب ، فعودة الحوار بين الحركتين المتخاصمتين ، وفر مناخاً سياسياً هادئاً داخل الساحة الفلسطينية، لكن سرعان ما تراجعت موجة التفاؤل ، فالجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في الخليل بقتل الشهيد عمر القواسمي واعتقال المعتقلين المفرج عنهم من سجون السلطة،أعطى المشهد بعداً جديداً عن مدى جدية حسن النيات لجسر الهوة في ظل واقع تكرر عدة مرات في السابق ولايزال ،فالمشهد الكارثي جعلنا نطرح عدة تسأولات عن أسباب التوتر وأهمها :

اضطراب أوضاع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في مجال الشرق الأوسط فعلى ما يبدو أن أمريكا غيرقادرة على حسم أمرها إلى الآن ،فما ذكرته صحيفة "يديعوت احرونوت" أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يبتعد حاليا عن التعامل شخصيا مع ملف المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية تاركاً هذا الملف لمساعديه السناتور جورج ميتشل ودنيس روس، كما أشار المحلل السياسي للصحيفة شمعون شيفر أن الرئيس اوباما يشعر بالاحباط من رفض نتنياهو كشف مواقفه في القضايا الجوهرية مثل الحدود القدس واللاجئين.

وفي العالم العربي لم تتكشف الأفق بعد ولا يزال المستقبل مبهماً نتيجة الظروف التي تحد من تطوره أو من استجابته لهذا التطور وهي ظروف فرضتها السياسات والإيديولوجيات فلا تزال الحريات مقيدة والأنظمة تسهم في عزله وإشغاله في صراعات تحد من تطوره التاريخي والحضاري ،وبالتالي استحالة تشكيله عامل ضغط على إسرائيل ، فثمة واقع يدفع نحو تفجّر الأوضاع في لبنان، وها هو السودان يذهب نحو الانقسام ، فيما الأوضاع في اليمن تنذر بالتوجه نحو ذلك، والحال في العراق ليس أفضل بكثير ، و الخلاف الجزائري ـ المغربي مازال على أشده في شأن الصحراء، ومع تعمق المذهبية والطائفية والاثنية فيه،ما يدفعنا للقول إلى أن التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية دخلت بغيبوبة حقيقية.

والآن، طالما أن الأوضاع العربية كذلك ، والأوضاع القوى الدولية والإقليمية، المعنية بالمنطقة، لا تدفع نحو التسوية، أو على ما يبدو أن التسوية لا تدخل في سلم أولوياتها ، فكيف ستحدث التسوية؟وكيف يمكننا أن نتوقّع تسوية فلسطينية ـ إسرائيلية، أو عربية ـ إسرائيلية، في واقع يحتاج إلى تسوية عربية ـ عربية، وإلى تسويات داخلية في أكثر من بلد عربي؟ ثم كيف لنا أن نتحدث عن تسوية مع إسرائيل بالوقت الذي أصبح الفلسطينيين أنفسهم غير قادرين على تسوية أوضاعهم بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

يبدو أن المصالحة الوطنية الفلسطينية الحقيقية مبهمة وغير محددة المعالم والرؤى على الرغم من أجواء التفاؤل التي أثارها اجتماع دمشق الأخير، فالمعادلة الفلسطينية غير منفصلة عن الكم الهائل من التعقيدات الإقليمية والدولية لذلك فإن خيار التمسك بالثوابت من قبل الشعب الفلسطيني يحتاج إلى إعادة بناء الوحدة الوطنية.