الكاتب : مازن بلال

استعراض طويل تابعن فصوله على امتداد عامين من غدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فكان البحث عن الصيغة التي يمكن رؤيتها في "خطاب" أراد افتراض "التغيير" الناعم، أو إزاحة مساحة الحرب المباشرة باتجاه البحث عن عمق آخر في عملية "تحويل" الشرق الأوسط، ولكن ما حدث ظهر وكأنه "مسعى" لإعادة توزيع القوى، وهو امر يبقى مستحيلا طالما أن "إسرائيل" موجودة، لأنها تشكل المحور الذي يمكن أن تتشكل حوله كافة الأدوار الإقليمية.

عمليا فإن فشل المسعى السوري - السعودي لم يكن في مسألة إسقاط القرار الظني أو حتى إلغاء المحكمة الدولية، فالأمور في النهاية تتمحور حول تغير مساحة "القوة" حول "إسرائيل"، سواء بتحجيم دور حزب الله، أو بإغراق سورية بعوامل سياسية لبنانية، أو حتى بتشتيت المعركة نحو إيران، وربما ليس غريبا ذلك التزامن بين انتهاء "المبادرة" السورية - السعودية وجولة كلينتون في المنطقة التي لم تحمل معها خطاب حرب يشابه ما كانت تطرحه الإدارة السابقة، لكنها بقيت تؤكد على عناصر "التغيير" التي تريده واشنطن في المنطقة، فمعركة المحكمة الدولية منذ تأسيس هذا الإطار تحت رعاية الأمم المتحدة كانت تمثل تصادما استراتيجيا.

المحكمة بذاتها كانت خروجا على القانون القديم في جعل الحوار السوري - السعودي إطارا للتعامل مع الوضع اللبناني، فهي أرادت إبعاد طرفين حتى وإن ظهر أن أصحاب المحكمة يلجؤون إلى السعودية، وفي النهاية مثلت كافة الإجراءات تصفية للمرحلة السابقة لكنها بقيت غير مكتملة، وكان واضحا أن المعركة على لبنان لا تهدف فقط إلى ضرب "أطراف" القوة السورية بل أيضا إحالة المعادلة برمتها باتجاه مسار آخر.

المعركة اليوم تبدو أصعب لكن الامتداد الأساسي لها يطال العواصم العربية، وتعتبرها الولايات المتحدة وربما فرنسا أيضا معركة القدرة على التحكم بأزمات الشرق الأوسط، فالقوة الناعمة التي تم استخدامها وصلت إلى النقطة النهائية حيث لا يمكن بعد ذلك تأجيل الخيارات، ولكن هل كانت الولايات المتحدة تريد الوصول إلى ذروة الأزمة؟ رهانات واشنطن بقيت في إطار تثبيت خارطة جديدة للشرق الأوسط، وإزاحة الجبهات من "إسرائيل" نحو مناطق أخرى نجح إلى حد ما وعلى الأخص في إثارة هواجس الخليج الأمنية، وما رافق هذا الأمر من صفقات تسلح، ولكن الذهاب بعيدا في هذا الأمر هو الذي أوصل الحلول إلى مناطق حمراء.

بالطبع فإن الولايات المتحدة كانت تتوقع عبر عامين أن تبدأ الخيارات الإقليمية بالتحول نتيجة الظروف المستجدة، وعلى الأخص في قطاع غزة ولبنان والعراق، وهو أمر كان كفيلا بتحريك المحاور في الشرق الأوسط، ولفترة من الزمن ظهر اختلاط في لمواقف نتيجو فتح مسارات سياسية متعددة، لكن العقدة الأساسية هي أن أي تحول يجب أن لا يطال "إسرائيل"، وهو ما أفضى في النهاية للوصول إلى النتائج قبل تحقيق أي تقدم حقيقي، فالولايات المتحدة تريد شطب حزب الله وحماس من المعادلة دفعة واحدة وإعطاء مصر دورا في لبنا (كيف؟) وعدم السماح بتفاهمات إقليمية دون تحقيق التحول الأساسي الذي تريده.

سنشهد اليوم تخلخلا استراتيجيا وربما مربكا بالنسبة للجميع وعلى الأخص الولايات المتحدة التي دخلت في مرحلة الاختبار الحقيقي في قدرتها على التحكم بالمنطقة، لكن الأمر لا يمكن حسمه بهذه السرعة أو من خلال التصريحات فقط فما يحدث هو محاولة إيهام للمنطقة بأن القوة الناعمة تشكل تحولا في الإستراتيجية.