الكاتب : مازن بلال

زحمة الأخبار أسقطت اسم محمد البوعزيزي الذي سمح لـ"البجعة السوداء" بالمرور فوق تونس، وأصبحت "التداعيات غير المتوقعة" تنقل البلاد باتجاه يمكن أن يصبح في مسار جديد، ومصير "البوعزيزي" لم يكن محسوبا ولا مرتبا ولم يشكل "اغتيلا" على سياق ما حدث في لبنان، فالأمر برمته غير منظم أو منسق، ولا يحمل معه افتعال "الفوضى الخلاقة" التي رسمتها واشنطن أو تبنتها كنظرية يمكن تطبيقها.

المحصلة الأساسية اليوم هي أن "البجعة السوداء" التي كتب عنها اللبناني نسيم طالب طافت في تونس وربما ستمر شرقا أو غربا وتداعياتها يمكن أن تعاكس "المسموح" به داخل العالم العربي، وبالتأكيد لن نستعجل التوقعات فهناك حسابات كثيرة وما ينطبق على تونس ربما لا يصح على دول مجاورة أو بعيدة، وفي نفس الوقت لا نسعى رسم ملامح نجاح نظرية نسيم طالب، إلا أن هناك سمات أساسية قدمتها التجربة التونسية يمكن طرحها عبر أمرين:

الأول أن عملية تطويع المجتمعات عبر بنية فوقية أمر لا يمكن أن يخضع لاعتبار ثابت، وهذا الموضوع يمكن سحبه باتجاه الشرق الأوسط الذي تعمل به "النخب السياسية" وفق الحسابات الدولية فقط، ويكفينا هنا النظر إلى منتدى الدوحة وتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حتى ندرك ان هناك مساحتين لا يتم التفاعل بينهما، فكلينتون رسمت التصور على شكل "تنبيه" باتجاهين الأول نحو الفساد والثاني باتجاه ما يخلفه الصراع في المنطقة وأظهرت "إسرائيل" على شكل الضحية، وعلينا أن نبحث عن المستقبل داخل معادلة واشنطن التي تفرض بنيتها خارج التداعيات غير المتوقعة أو تطلب ضبطها.

الثاني أن النموذج التونسي عبر عن "سقوط مرحلة" ظهرت بعد غياب الزمن الأساسي لدولة الاستقلال، فحكم زين العابدين جاء على مساحة "الحبيب ورقيبة" وحاول تأسيس شرعية جديدة منفصلة عن المشاكل الأساسية لدولة الاستقلال، ومعظم الدول العربية تملك هذه المراحل المتعاقبة، مع التنويه إلى أن دول المشرق العربي شهدت مراحل وسيطة فيها صراع "إيديولوجيات". يبقى أن البحث عن المرحلة الجديدة يمكن ابتكاره خارج "الوضع الدولي" الذي غالبا ما يختطف مثل هذه التجارب ويحاول التحكم بها على طريقته.

هل ستغير تونس من معادلة "النظام العربي"؟ هذا هو السؤال الأساسي لمن هم خارج تونس أو يحاولون أن يدرسوا "الجملة السكونية" التي تحكم هذا النظام مقارنة مع عملية خنق الحياة السياسية بشكل عام، أو تجزئتها ورسم أولويات لها، فالمرحلة الماضية حاولت اعتبار "العملية الديمقراطية" كخلاصة نهائية لأي فعل اجتماعية، ونحن هنا نشاهد مسألة الديمقراطية تخرج من القعر الاجتماعي ومن مسائل الفقر، وشاهدنا في مناطق أخرى ظهور التحول من مسألة الصراع مع "إسرائيل" حيث تبدلت طبيعة الحركات التي تتبنى الخيارات الجديدة، وفي الجزيرة العربية أيضا ظهر التحول من العنوان الديني الذي تتبناه معظم دول الخليج، وهو ما يضعنا أمام "كلية" الحالة الاجتماعية حتى ولو تعددت قضاياها.

ما هو مؤكد أن ما يحدث في تونس يشكل نقطة تفاعل مشتركة يمكن ان تدفع على الأقل للتفكير بأن النظام العربي لا يمكنه تجاهل حالة انفصاله عن المجتمع.. فهل يسعى إلى المبادرة اختصارا للزمن؟!!