الكاتب : نضال الخضري

دون أي مقاربة إيديولوجية يحتلني اللون الأحمر، وتتملكني الرغبة في تلمس النوافذ التي تصطف طوابير تعيد للذاكرة أحداث أعد، وأحداث سمعت عنها وأخرى ربما سقط من مساحة العقل، ففي تونس من الجدران ما يكفي من "الشبابيك" التي تفتح للبحر ذراعين تنضمان بسرعة خاطفة وتسرقني نحو كتابة تعويذة كي لا يسقط الشبان، أو حتى لا أرى الدم رغم ان الأحمر أصبح من طبيعة الأشياء.

واللون الأحمر إثارة تجرني نحو المستقبل، وتجعل من الطرق باتجاه تونس رسوم جداريه تجعلنا لا نعرف من أين يهطل الجمال، أو كيف يستطيع البعض جعل اللون أكثر من مجرد ملامح بصرية، فيستقر في عمق العشق الذي يربطنا بالقادم، ولأننا عشاق أبديون فإننا نتسلح بالجرأة فقط، ونحمل التصاوير المنقولة عبر كل وسائل الاتصال وكأنها كتاب في طور التحضير.

لم يكن يشدني سوى اشتعال "الحماس" أو تفجر الحياة في لحظة، فعندما تصاعدت النار من محمد البوعزيزي كان الأمر يخترق الحدث ليشكل ملامح الإنسان في صورته المستحدثة، وكان يرسم القدرة على التمسك بالمواطنة حتى في لحظة الاحتضار، فربما وصل اليأس الذروة، ومن المحتمل أن الفقر استطاع طعن كل الخلايا، لكن على الأقل كان هناك حرية اختيار النهاية بعيدا عن ذلك القدر الذي يريد أن يخنق الجميع.
في تونس حيث لا فقر ولا غنى... وحيث يمكن سماع إيقاع السنوات وهو يمر مع اللكنة المختلطة ما بين العربية والفرنسية فإن الاحتمالات تبقى مشرعة على كروم الزيتون أو بين الحر والصحراء، وفي تونس "قرطاجة" مختلفة" تبني نفسها منذ اللحظة التي انطلق الأحمر من جسد "البوعزيزي".

سأحاول أن أسقط بعضا من الحديث المتفائل أو المتشائم، فالمسألة ليست مجرد خيارات سياسية، وأنا لا أعرف من قصة البوعزيزي أي تفصيل سياسي، رغم أن الراويات جاهدت كي ترسم ملامح الحياة التي انطلق في اللحظة التي تحرر فيها، فهناك في التفاصيل الإنسانية ما يدفع للتشبث أكثر ولمعرفة أن الإنسان مهما حاول البعض وضعه رقما في إحصائيات التنمية والفقر والموارد البشرية، لكنه في النهاية يرسم قدرا مختلفا تماما عن حسابات الاستثمار أو الرح أو حتى الأحزاب السياسية، فهو الإنسان الذي يسقط في غزة فتستعيد شكلها، ويخترق في تونس فيظهر الغد، أو يبقى قادرا على التعبير عن فورة الحياة في العراق ومصر فندرك أن الزمن مازال يفتح مجالا لآخرين لا يبتسمون على الفضائيات بل يصرخون غضبا وقد... يصنعون المستقبل.

ليست معادلة... وتونس لن تكون حمراء بشكل دائم، فما جرى سيصبح يوما ضمن أرشيف خاص لكن الإنسان تحول من رقم إلى زمن خاص.