الكاتب : مازن بلال

إذا كانت تونس شهدت مرور بجعة سوداء فإن لبنان يعيش على تماوج التداعيات إن صح التعبير، وربما يستعجل البعض التمسك بمعطيات دولية لكن الحسابات عندما تصل الأزمة للذروة يمكن أن تنطلق خارج إطار قدرة التحكم التي تملكها القوى الإقليمية بما فيها الولايات المتحدة.

هذا الواقع هو الذي يدفع بعض الأطراف الإقليمية دائما لمحاولة احتواء الحدث، فأزمة اللبنانية الحالية "يجب" أن تحل حسب عدد كبير من التصريحات على أساس لبناني، لكن انعكاساتها إذا لم تتم في إطار من وعي المخاطر فإنها ستستهدف دولا خارج الجغرافية اللبناني، وهو ما يحدث دائما مثيرا القلق داخل الشرق الأوسط، فلبنان "مؤشر" على ما يبدو لنوعية الاستراتيجيات التي يمكن أن تتبعها الدول الكبرى.

وفق هذا السياق يمكن أن نفهم لماذا تصبح المحكمة "دولية"، وذلك بغض النظر عن عدم قدرتها على التحرر من الحسابات التي تحكم رغبة بعض الدول بالاستمرار بها، وربما نستطيع استقراء كيف يمكن أن تتحول التجاذبات إلى صراع إقليمي يتم فيه استخدام كل أساليب الضغط بما فيها التدخل العسكري المباشر.

سرب البجعات السود يدخل اليوم لبنان رغم أن سير الحدث الحالي متوقع، ولكن ما سيحدث في لحظة رسم السيناريوهات القادمة هو الذي سيحمل باقي التداعيات، ابتداء من التحول في "المزاج السياسي" للمنطقة وانتهاء باتخاذ مواقف جديدة ستؤثر حكما على باقي الأزمات، وتبدو القمة اليوم بوجود الجانب التركي أكثر من محاولة استيعاب للنتائج المتوقعة، لأنها تحمل معها:

أولا خروج عن الشكل التقليدي الذي كان يضع المعادلة باتجاه ما يسمى "س - س"، فبالتأكيد ستحمل سورية معها كل التفاصيل المتعلقة بالمبادرة السورية - السعودية، لكن بنود هذه المبادرة ستدخل في الإطار الجديد لمساعي التقريب بين "الفرقاء" لأن العلاقة التي تحكمهم مع تركية وقطر مختلفة تماما عن علاقتهم بالرياض.

الثاني يمكن ان تسعى القمة للخروج من التراتيبية التقليدية، فتركيا وقطر لا يمثلان جانبا من الاستقطاب داخل المعادلة اللبنانية، وسورية التي تملك حلفاء في لبنان لكنها وسط هذه القمة تمثل الدولة الأكثر التصاقا بالهم اللبناني والمتأثرة مباشرة بما يحدث به.

بالطبع فإن القمة لا تحمل وفق المؤشرات الدولية أي سعي لـ"اختراق" الإصرار الأمريكي وربما الفرنسي على الاستمرار بالمحكمة الدولية إلى "اللانهاية"، لكنها تبدو محاولة لعدم ترك الأزمة لدخول "البجعات السود" وعلى الأخص بعد دعوة الرئيس الفرنسي لاجتماع دولي بخصوص أزمة لبنان، وبالتالي محاولة جعل أوراق الأزمة خارج المنطقة، وهذه التجربة حدثت سابقا عبر "المحكمة" ومازال لبنان وربما المنطقة يعانون من تداعياتها.