الكاتب : نضال الخضري

عندما يتوقف أشعر بالضيق رغم انني لا أقضي ساعات طويلة خلف في تتبع "أصدقائي" الافتراضيين، لكن شبكة الإنترنيت أصبحت جزءا من تكويني وربما تكوين أعداد هائلة تفتح نوافذ لأنها لم تقدر يوما على تحرك من جغرافيتها.

التعويض الحقيقي لحالة العجز عن التحرك خارج المساحة التي "تحتلنا" ظهرت في الإنترنيت الذي يجعلنا ندرك أن الخيال يعوض أحيانا عن عدم توفر الممكنات، فأقرأ الصحف بشكل سريع قبل أن انتقل لتصفح البريد الخاص الذي ينقل لي مسافات لجديدة وربما مساعر مختلفة لم أكن أحلم يوما أنني سأصادفها في حياة محدودة الأشخاص، وداخل زمن يضيق كثيرا كلما سار بنا وحملنا أعباء إضافية.

كيف أفهم هذه المساحة الافتراضية؟ سؤال لم أطرحه على نفسي إلى قبل أيام، لأن حالة الانفعال مع الإنترنيت لم تترك لي وقتا كي أفكر في نوعية المشاعر التي تتداخل مع بنيتي قبل وبعد عملية التواصل، لكنني اكتشفت أنني قادرة على الخيال وابتداع لون يرسم حلما مختلفا، فالكتابة أو القراءة عبر الكومبيوتر لا تقلص العالم بل تدعني أعرف مدى الرحابة التي تتيحها التقنيات.

هذه هي الصورة التي تتشكل في ملامح التواصل الدائم الذي بدأ يشكل عاداتي ويطورها منذ خمس سنوات، أما الحديث عن "المخاطر" أو "المواجهة الثقافية" أو التحول نحو "السطح" من خلال التواصل الإلكتروني فهي أمور لم أتعامل معها عمدا، لأنها في النهاية تضعني في منتصف الطريق، فالمخاطر لم تكن يوما بعيدة عن البشرية، وهي تلامس الجميع كل صباح، وفي نفس الوقت فإن القدرة على فتح مساحة جديدة تهدأ على الأقل عملاق القلق الذي يجتاحني في نتابع التلفزيون، أو تجعل نشرة الأخبار عناوين رئيسية بينما يبدو العمق الحقيقي في سبر ما يجري سواء عبر صفحات افتراضية تحمل الكثير من المعلومات ولكن الأهم انها تضع الطيف وبلحظة أمام عيني.

كل الثرثرة اليوم باتت وراء العالم طالما أنها ستصبح مكشوفة في "المجال الافتراضي"، وكل المخاوف التي تراود البعض يمكن مسحها أمام المعرفة التي يمكن أن تصبح "فوضى" في لحظة اختلاط صفحات المواقع الإلكترونية، فمن قال أننا نبحث عن المعلومات في الإنترنيت؟ نحن نروي ظمأ خاصا يجتاح عقولنا فنحاول أن نسكب كل شيء داخلنا، وربما نولد بعد ذلك من جديد، لأن المعلومات لا تكوننا، لكن القدرة على التحرر من أسر كل ما سبق هي التي تجعل صفحات الإنترنيت شبقا.

في النهاية نحن نعيد تكوين أنفسنا... نعيد ترتيب شخصياتنا... نحاول لإيجاد توثيق مختلف عن الذي اعتدناه وكأنه قدر، ثم نترك مدوناتنا لمن يريد أن يقرأ خارج إطار النمطية المعتادة، وبعيدا عن "تقليب الصفحات" التي أدمنها البعض ولا يستطيع التخلي عنها اليوم.