الكاتب : نضال الخضري

سنترك المساحة الاجتماعية الاعتيادية، لأن الدخول إليها من المنطق القديم لم يعد مجديا، وما أستغربه هو أن تلك المساحة بقيت على حالها رغم التحولات التي دخلت إليها، وهي ربما ضاقت وسقطت منها ألوان كثيرة بدلا من أن تتغير باتجاه أرحب وربما أوسع.

مع ظهور المدونات كان من المفترض أن تختلط الألوان أكثر، لكن على ما يبدو فإن مدوناتنا عكست عدم القدرة على خلق تجاوز لكل المطبات التي عشناها، أو شهدتها الأجيال قبلنا، والمسألة هنا ليست في عدد أو حجم المدونات أو المواضيع، لكننا بقينا نضع كلماتنا ونحن نبحث عن جمهور، بينما من المفترض أن تلك الصفحات المنثورة على الإنترنيت هي لتأكيد وجودنا ليس أكثر.

مدوناتنا مليئة بالجهود التي تنصب على الحياة العامة، وهو أمر يعكس نوعية التأزم الذي نعيشه، لكن هل المدونات هي صفحات تشبه الجرائد؟ الإجابة ربما نشهدها عبر المدونات والمنتديات الأجنبية التي تغرق ربما بالحالات الشخصية، فهي خطاب لأصغر مجتمع، وهي رواية إنسان تجتمع مع غيرها لتقدم تاريخا لم نكن نحلم به، لأنها تجمع "الألوان الإنسانية"" وتعيد توزيعها على مساحة الحياة.

طالما حلمنا بتدوين يخرج عن إطار "الرسمية"، وانتقدنا كتب التاريخ لأنها تنقل وجهة نظر النخبة الحاكمة، لكننا نكتب اليوم ونحن ننظر إلى نفس تلك النخبة، لأنها بقيت شغلنا الشاغل، فإذا ما انتقل التدوين نحو عمق المساحة الافتراضية بدأت الألوان تتغير، لأن "المدونات" هي إحساس بالذات وبالوجود داخل حالة "عولمة الاتصالات.

كل مدوناتنا ضرورية، وكل ما يحاول البعض التعبير عنه كرأي آخر هو جيد وممتاز، وكل ما لم يكتب هو إشارة الاستفهام الأساسية، لأن من المفترض أن نسجل وقائعنا أيضا ولا نكتفي برصد الحدث من زاويتنا، فما أنتظره هو ابتداع حالة مختلفة، عندما نستطيع أن نخاطب إعادة رسم عاداتنا القديمة من جديد، فنكتب ونحن نعرف أن المدونة حالة كشف لذاتنا قبل أن تكون "مشروع جريدة إلكترونية" يحررها شخص واحد.

مدونات العشق قليلة، واليوميات التي يمكن أن تظهر على صفحة الإنترنيت أقل، وكل ما نملكه هو انطباعات مكتوبة كتعليقات على صفحات المواقع الاجتماعية، لكن صورة عمق الإنسان أو تفجير تلك المشاعر التي تحمله على رسم صورته الخاصة هي الغائبة.

العشق والحب والتفاصيل الصغيرة هي مدونات المستقبل