الكاتب : جورج حاجوج

أبسط المراقبين، ومن خلال المتابعة والقراءة لما يجري على الساحة اللبنانية، يستطيع أن يصف الحال هناك بأن هذا البلد يقف على فوهة بركان، في حال انفجاره واستعار ثورته فإنه سوف يحرق الأخضر واليابس ولن يبقي على زرع، ممهداً الطريق لزرع جديد يكون على الطريقة الأمريكية "الإسرائيلية"!.

الخطير وغير المنصف، وفي حال انفجار هذا البركان، أنه سيضع الجميع في سلة واحدة: تيار مقاوم وممانع للمشروع الأمريكي ـ "الإسرائيلي"، وتيار غير مقاوم وغير ممانع "هكذا يجب أن تسمى الأشياء بمسمياتها" لهذا المشروع الذي ما يزال أربابه ومناصروه مصرين على رسم خرائط ـ وليس خريطة واحدة ـ لشرق أوسط جديد مليئ بالكيانات الدينية والطائفية والمذهبية التي يمكن لها أن تشبه أي شيء إلا الدولة بمعناها الحديث والمعاصر!.

لو انفجر هذا البركان، فالمؤكد أن هذا الشرق الأوسط ـ الذي لم يصبح حتى الآن شرقاً أوسطاً جديداً حسب الرؤية الأمريكية "الإسرائيلية" ـ سيعود إلى الوراء مئات السنين، مع عودة دويلات الطوائف وملوكها وأمرائها، والبداية ستكون ـ وهذا واضح ـ من لينان الذي سيعيدنا إلى المربع الأول وفق هذه الرؤية السيئة الذكر والنتائج!.

صار واضحاً أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وقرارها الظني هما ورقتان تتمسك بهما واشتطن وتل أبيب حتى الرمق الأخير، ليس من أجل إنهاء المقاومة في لبنان وتوجيه ضربة قاصمة لها فقط، إنما لتطويع المنطقة ولفرض إيقاع سياسي واستراتيجي جديد للشرق الأوسط، ذلك أنه سيكون لهذه الضربة ـ فيما لو حصلت ـ ارتدادات شديدة على المناخ الإقليمي الذي ينسج ويخيّط بـ "مسلّة" لا تستسيغها واشنطن وتل أبيب، وبدرجة أقل لكنها واضحة أوروبا أيضاً.

والواضح أكثر أن كل ما يحصل من مساعٍ ومن مشاورات لتثبيت التهدئة، ولكي تنجح، لا بد لها من أن تجتاز اختبار ومعبر "الفيتو" الأمريكي بنجاح، ولا بد لها من أن تمر من تحت عباءة هذا "الفيتو".. وإذا لم يقبل أصحاب المساعي ولم يرضخوا له، فليعودوا من حيث أتوا لأن ما تريده الولايات المتحدة و"إسرائيل" يحمل من الترويع والهدم والفوضى والخراب ما يجعله بعيداً كل البعد، ولا يمكن له أن يتساوق، مع ما ترمي إليه المساعي والمبادرات والمشاورات الإقليمية.

أيضاً، بات واضحاً أن إصرار واشنطن وتل أبيب وأوروبا على المضي في فرض وإملاء القبول بالمحكمة الدولية وقرارها الظني يعني، وفي حال فشل كل المساعي والجهود ونجاح المشروع الأمريكي "الإسرائيلي"، تأسيس نقطة الانطلاق الأولى نحو شرق أوسط جديد يمكن أن يكون بكامل دوله ودويلاته ووممالك طوائفه تحت المظلة الأمريكية في كل الاتجاهات، وخصوصاً ما يتعلق منها بالعملية السلمية والتسويق لـ "دولة إسرائيل الدينية اليهودية" التي سيصبح وجودها مبرراً بوجود ما يشبهها من دول وممالك الطوائف والمذاهب!.

لبنان في مهب الريح، ويقف على فوهة بركان.. نعم، ولكن هذا لا يعني أن البركان سينفجر لطالما أن هناك من يستطيع أن يصمد في لعبة "سياسة عض الأصابع" التي تعشقها واشنطن وتل أبيب.. والأهم من هذا، أن عدم انفجار البركان مشروط بأن يصر الممانعون على عدم التلفظ بكلمة "آخ" حتى ولو انقطع أصبعهم.. التجارب السابقة أثبتت أنهم قادرون على هذا، والتجربة الصعبة هذه لا بد لها من أن تنضم إلى قافلة التجارب السابقة الناجحة، حفاظاً على لبنان، ومنعاً لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد!!.