الكاتب : ربى الحصري

البعض يعتقد أن المدة الطويلة ما بين مرحلة اللجوء، أو الخروج من الوطن، والزمن الحالي يمكن أن تشكل مبررا لمسألة التفاوض على حق العودة، لكن باعتقادي أن ما يحدث وبعيدا عن أي وجهة نظر قانونية يحتاج إلى إعادة النظر بما أنتجته مرحلة اللجوء، فمن هجر من فلسطين ربما استقر في أرض جديدة، وهناك اجيال قضت خارج الوطن، وظهرت أجيال شابة لا تعرف فلسطين، وهناك أيضا تفاوتا في وضعية كل لاجئ، ولكن كل هذه الأمور لم تخرج عن السياق التاريخي لشعب فلسطين.

هناك حدث جرى قبل أكثر من نصف قرن، و أصبح جزء من التاريخ وشكل بذاته ثقافة خاصة بمسألة اللجوء، فالمسألة لا تتعلق بواقعية الحلول بقدر ارتباطها بشخصية المجتمع وهويته، وبمستقبل الأجيال الموجودة أساسا على أرض فلسطين، فمن حيث المبدأ إذا لم يتم تصحيح هذا الوضع التاريخي فإن الفلسطينيين سواء كانوا مقيمين في مخيمات تفتقر للحد الأدنى من الشروط الإنسانية، أو حاصلين على جنسيات أخرى، أو حتى موجودون في دول الجوار ويعيشون بشكل عادي؛ كل هؤلاء مع من يعيش تحت الاحتلال سيتأثرون وسيشعرون بالإرباك تجاه هويتهم وشخصيتهم، وربما هذا ما تريده "إسرائيل".

حق العودة دخل في صلب تكوين الهوية، ونحن يمكن أن نرى في بريطانيا شبابا فلسطينيين لم يعرفوا أرضهم، وربما منسجمين مع نتائج اللجوء، لكن الأمر لا يتعلق بجزء من الفلسطينيين، ولا يرتبط بالقدم بحيث يتم إسقاط الحدث التاريخي نتيجة الزمن، فالقضية الأساسية هي في حالة "إفراغ الأرض" التي مارسها الاعتداء الصهيوني، وشكلت انعطافا بتاريخ الأرض والإنسان في هذه المنطقة، ونحن ننظر إلى جغرافية مؤثرة ومرتبطة بتاريخ عالمي، فما فعلته العصابات الصهيونية من حيث التأثير الثقافي مختلف عما قام به الغرب عند دخوله إلى الأمريكيتين أو "استراليا"، فهم لم يقتحموا جغرافية مجهولة، ولم يتعاملوا مع شعب لم يؤثر في "ثقافة الآخرين".

من هذه النقطة فكما سجل التاريخ ولو وفق الطقوس الدينية ظهور المسيح وصلبه وعودته فإنه سجل على نفس الأرض دخول العصابات الصهيونية وهجرة الفلسطينيين منها، فهناك كل ثقافي مرتبط بمسألة اللجوء لا يمكن التعامل معه وفق الأمر الواقع حتى ولو بقيت المستوطنات أو أزيلت أو لم تظهر أبدا "الدولة الفلسطينية"، فنحن أمام مسار تاريخي لا يمكن التعامل معه بنوع من التبسيط.

سأزعم أيضا أن حسم قضية اللاجئين بهذه الطريقة المبسطة، سواء صحت وثائق الجزيرة أم لا، ستؤثر على هوية المنطقة أيضا لأن تبديل الشخصية الاجتماعية لمنطقة تملك هذا العمق التاريخي لن يكون بهذه السهولة، ولنا في التجارب التاريخية أمثلة مختلفة لا مجال لذكرها، ومسألة العودة تبقى الأكثر حضورا لأنها في النهاية خلاصة المجتمع مهما تشتت أو هاجر أو ذاب بعض منه داخل باقي المجتمعات.