الكاتب : حسان عبه جي

كلمة "عائدون" امتزجت مع تاريخنا عندما كنا أطفالا، فهي لم تكن مجرد شعر بل شكلت حالة تعبئة واضحة على الأخص مع ظهور الكفاح المسلح في أواسط ستينيات القرن الماضي، وهذه الآلية أعفت المثقفين والمفكرين من متابعة مسألة "اللجوء" وما تركته على الدول التي عاشت الصراع مع "إسرائيل"، فهذا الموضوع غاب مع "الإرادة" التي كانت ترى في مسألة التحرير شأن لا يقبل المساومة.

ونحن هنا لسنا بصدد محاسبة التاريخ، لكن اللاجئ كان يعتمد على تفكير أساسي ينطلق من أن وجوده في الخارج هو جزء من الامتداد لمن بقي في الداخل، وأن الكفاح المسلح والتحرير مرتبط أساسا بتعريفه كـ"لاجئ" بدأ يملك إرادة ويٌشخص نوعية الهوية التي تربطه بأرضه حتى ولو كان يعيش في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وفي النهاية فإن "منظمة التحرير" قامت بتمثيله وكان المجلس الوطني مشكلا بغالبيته من "اللاجئين" لصعوبة التواصل مع من هم في الداخل.

هذا الوصف لم يعد قائما اليوم، فبعد ظهور السلطة ربما تبدل مفهوم "اللاجئ" سياسيا، لكن من الناحية الاجتماعية لم يتغير شيء، وعلينا هنا عدم الاستغراب من أي نظرة للسلطة تجاه هذا الأمر، فهناك موقع جديد لم يعد ينظر إلى التواجد الفلسطيني وفق صورة "كلية"، وهو يريد على ما يبدو أن يحول "اللاجئين" إلى "مغتربين" مع إسقاط حقهم في جنسيتهم الأصلية فيما لو قرروا بإرادتهم العودة إلى الوطن.

لم يحاول أحد من الفلسطينيين "الاغتراب"، فهم جزء من عملية "إفراغ" فلسطين، وبالتالي فهم يشكلون حالة حقوقية مرتبطة بفلسطين فقط حتى ولو قرر البعض منهم "عدم العودة"، فالاتفاقيات السياسية اليوم تريد أن تنتقل بنا نحو تعريف "اللاجئ" من أجل إتمام العملية السياسية، لكن المسألة هي ليست في "تعريف" اللاجئ أو محاولة وضعه في ميزان التسوية، وخوف "إسرائيل" من حق العودة له جانب "حقوقي" لكنه في أغلبه تخوف من "عصبية المجتمع" وإدراكه لذاته تماما كما حصل في مرحلة "الكفاح المسلح" عندما أدرك الفلسطينيون أنهم موجودون على الخارطة وليسوا مجرد أرقام في منظمة "الأنروا".

ربما تصبح العملية السياسية متعلقة بنوعية التعويضات داخل فلسطين، وربما يفرض الواقع عدم القدرة على إعادة الخارطة السكانية إلى ما كانت علية قبل عام 1948، لكن مسألة الانتماء إلى المجتمع هي الأساس، فحق العودة وإنهاء اللجوء هي في مسألة وجود مرجعية حقوقية للفلسطينيين وهوية واضحة المعالم داخل جغرافية معروفة سلفا، هذا الأمر هو ما يقلق "إسرائيل" وربما السلطة نفسها لأنه يعيد الصراع إلى المربع الأول حيث لا يمكن تجزئة المجتمع إلى أقسام ضمن السلطة وفي أراضي 1948 وأخيرا فلسطينيو الشتات.

"إسرائيل" أوجدت حلها "الإبداعي في "يهودية الدولة" التي ستشطب بشكل تلقائي أي معنى لكلمة فلسطينية على مكان تواجد الدولة، وهو امر يمكن فهمه بالنسبة لدولة "عنصرية في البنية"، لكن الإبداع المدهش هو من جانب المفاوض الفلسطيني الذي يريد أن يسقط الشرعية عن جزء من المجتمع هو الآن خارج أراضي السلطة، وربما مستقبلا داخل مناطق نفوذها، وهذه هي المصيبة الأساسية في مسألة التفاوض على "حق العودة".