الكاتب : نضال الخضري

هي أقل من قصة قصيرة لأنها تحاول جمع الحدث في نقطة واحدة ثم لا تستطيع الانطلاق، فهناك تعثر دائم لـ"مشروع" أنثى ربما ينطلق من "التاكسي" الذي بدأت النسوة تزاحمن الرجال عليه في شوارع دمشق، لكن هناك بيئة يتم خلقها من اجل أن تدخل الأنثى هذا المجال، فليست الأناقة وحدها بل أيضا هو تاكسي "تحت الطلب"، وهو أيضا سيحمل معه صورة مختلفة لعدد قليل من النساء يجلسن على غير العادة في المقعد الأمامي بينما الرجال في الخلف.

ما هو المختلف في هذه الصورة بالنسبة لتجربة الأنثى؟ العمل... أو الدخول إلى مهنة "مكروهة" داخل الثقافة السورية إجمالا... المشكلة ليست في طرح الأسئلة لأن "حق العمل" يتجاوز مسألة الجنس، لكن المهنة بذاتها تحمل معها نوعا من الصدى الداخلي لجملة مكبوتة ربما داخل النساء والرجال: دعوني أمر... أريد أن أكون موجودا ولو خلف المقود، ولن أخشى بعد اليوم الظهور المختلف مادامت النسخ الكربونية تغطينا حتى رؤوسنا.

دعوني أمر هو العنوان الذي ينطلق من "الوثائق السرية" المعروضة على الفضائيات وصولا إلى أصغر خرف عائلي ينشب بين الجدران، فالمسألة تتجاوز شوارع دمشق ومدن سورية لأنها أصبحت نوعا من "القضية الإنسانية" وسط عالم الكبار الذي يريد البعض إيهامنا أنه يلتف على أعناقنا، سواء كان هؤلاء الكبار "منظمة للتجارة العالمية" أو جمعية دولية لحقوق الإنسان واللاجئين وغيرهم من الأسماء التي تصبح مجرد قصة أو رقم عندما تدخل إلى "عالم الكبار".

لا أعرف لماذا تذكرني سائقة التاكسي كمهنة تدخل سوق العمل السوري بكل التفاصيل والعناوين التي تحاصرنا، ربما لأنني أسطر على "كحول الفضائح" في الفضائيات واستيقظ صبحا والصداع يفجرني من عدم القدرة على قول "أنا"... لكن هناك من يتهمنا بالفردية... كيف؟ لمجرد الخوف من شخصيات الأفراد وعلى الأخص الإناث في مواجهة المؤسسات التي تفوق طاقة قدرتنا على التحمل.

وأجهل أيضا كيف تستطيع المرأة تحمل ضغط الرجال المتواصل بسيارتهم التي تدعي عدم خشية المارة أو أنظمة السير، ثم تبقى خلف المقود، وهو أمر ربما يشابه طاقة أي فرد على تحمل ثلاث أشهر من الوثائق والمرجعيات الإعلامية والسياسية التي تنهال عليه، وهي تدعي أنها لا تريد سوى الحقيقة وكشف المستور و "تنوير الطريق".... فهل صدفة أن يصبح جسدي ساحة معارك للوثائق؟ جسدي أو جسد أي انثى ربما تقرر يوما أن تصبح سائقة تكسي ليس لأنها لاجئة حرمها البعض من "حق العودة"، بل فقط لأنها مهنة يضطر الجميع إلى النظر إليها والتلويح لها كي تقف أو وحسب التقنية سيتصلون بها هاتفيا ويضطرون للركوب معها.

نصيحة للجمهور "النسوة" و "تاء التأنيث" كي يعملن سائقات، اما الرجال فعليهم إيجاد مهنة جديدة تخرج "الأنا" من داخلهم... وأنا لست لاجئة.. لست دبلوماسية حتى يظهر اسمي في وثائق ويكيليكس... لست سياسية قادرة على التفاوض لسلب حق الغير وحرمانه من "وطن" يحميه ومنزل تم اغتصابه قبل أكثر من نصف قرن... "أنا" فقط أبحث عن تلك "الأنا" الضائعة وسط عالم تضغط عليه عناوين ضخمة ومؤسسات قادرة على تجاوز كل الحالات الفردية.