الكاتب : نجيب نصير

كان لا بد للحوار أن يصل الى تلك المرحلة من السخرية السوداء المرهقة، فالمعلومات المتوفرة عن حال العالم العربي تفضي وعبر كل طرق الحوار أو النقاش أو الجدل أو تجاذب أطراف الحديث الى هذا التناول الساخر، وليس مهما إن كانت هذه السخرية عدمية أم عبثية أم تحتفظ بين طياتها بأمل ثوري مفتعل ومفبرك، فالمعلومات على حداثة طرق توصيلها أو إنتاجها، تبدو جوفاء لا تحمل في ثناياها دسم الفعل أو التأثير، هذا بالإضافة الى كمياتها المفرطة والمرهقة، بحيث تحول أي نقاش أو سجال، الى لعبة شطرنج أنانية أو الى مسايرة أيديولوجية، تترحم على عبد الناصر أو على أيام الفعل السياسي الحقيقي، حيث يبدو أن المطلوب تحديدا هو اختصار كل التقنيات أو كل الحراكات أو كل الأحداث، كي يتمكن المواطنون من التركيز على قضية يمكن التفرغ لها وجلاء معانيها، فقضية المطربة سوزان تميم التي صرف عليها عشيقها 60 مليون دولار تناقش على أساس : ماهي إمكانية هذه الستون مليون دولار على ألإستثمار في حقول تفيد الفقراء في مصر التي تواجه التكاثر السكاني بمزيد من الولادات للمشاركة في مظاهرات الجوع والحرية في ظلال حادثة كنيسة القديسين المعبرة عن صعود أسهم الطائفية المدمرة للمجتمعات ، في واد نهري ضيق هو كل ماتملكه مصر أثناء النظر في إعادة إتفاقات تقاسم مياه النيل الأفريقية ، في هذه اللحظة يأتي إتهام منظمة غزاوية أسمها جيش الإسلام بجناية كنيسة القديسين فتنفي هذه المنظمة التهمة وتبارك الجناية!!! حيث ينحرف الحوار تلقائيا الى علاقة حماس بفتح أو بالسلطة الفلسطينية، وبالتالي الى الاستيطان والمفاوضات السرية والعلنية التي سربت وثائقها فضائية الجزيرة التي لا تنطق عن الهوى أو على الهوا، لندخل في معمعة استشهاد أبي جهاد كشرفة نطل منها على الحادث التونسي المتشعب والصارخ والذي نعود عبره الى إستنتاجات السبعينيات الثورية ولكن النظرية التي تتداخل مع الشعر والرواية السياسية قبل إنهدام جدار برلين، الذي أثر في وضع جنوب السودان منتجا إتفاقية نيفاشا، عندما كان العراق يأخذ نفسا بعد تخليصه من دكتاتوره الجلوز، متنسما نعيم الطائفية بصورها الأكثر همجية، والتي أصبحت خبزه اليومي ممثلا وجها آخر للعملة التي يتداولها لبنان مع إدعاء ديمقراطي فاخر و وأنيق (سينيه)، وليس شرشوحا وقليل ألأناقة مثل الحدث اليمني (الفايت بالحيط).... هل نستطيع القول الخ ..... بالطبع نعم نستطيع القول الخ بكل شموخ فأي عقل يمكنه مناقشة هذا الكم من العملومات؟؟؟!!!

في لب هذه المعمعة يأتي السؤال: كيف يمكن التعبير عن هذه الحالة فنيا؟

قد يكون السؤال مترفا أو فانتازيا، أو حتى جزافيا ماغوطيا، ولكنه سؤال يعبر عن إستخدام الإمكانيات المتوفرة من مهارات وأفكار ومعلومات ووقت ، كيف يمكن التعبير عن هذه الكمية الضخمة من ألاعيب غير الجوفاء بالفن، أي مايضمر إيصالها الى الناس المتخمة أصلا بها، أوىليس الملل وعدم المبالاة جزء أساسي من هذه الحالة؟ أو لنقل لماذا علينا أن نعبر فنيا عن هذه الحالة الجزافية، الناتجة عن تراكم أخطاء أصر مجموعنا على أنها حقائق ثابتة وصحيحة ومتوائمة مع العيش البشري، ما دام هذا التعبير الفني نفسه سوف ينضوي مع هذه الكميات الكبرى من التحاليل والتنظيرات التي تتساقط في سلة السخرية العابرة.

كيف نعبر فنيا أو كيف ننتج فنا عليه إحتمال كل هذا التعثر والعثرات والتفاصيل المعيقة ،ومن ثم يفهمه ويتفهمه ويستمتع به الجميع ....
أوليس سؤالا محيرا؟!