الكاتب : سها مصطفى

بقدر ما كانت مهمة تلك الورشة التي جمعت بالامس صحافيين ورؤساء تحرير مواقع الكترونية على مائدة مستديرة، بقدر ما انتهت الى أسئلة عويصة محملة بآمال تفوق مايمكن للاعلام السوري حمله في وقته الحالي، آمال للمفارقة بثها الصحافيون قبل الأكاديميون والمنظرون في الاعلام السوري، رغم معرفتهم المسبقة بحالة الاختناق التي يعانيها هذا الاعلام لجهة بيئة وأفق العمل وهوامش الحريات الصحافية، وماينتظره من قانون مقيد يتربص به!

التجربة والتقييمات ستختلف في ورشة العمل التي أدارها البروفيسور انريكو دي انجيليس في معهد الشرق الادنى الفرنسي، بالتقديم والعرض لتجارب بضعة مواقع الكترونية مشاركة، من الداي برس إلى شام نيوز وسوريا الغد...وقاسيون، الى الموقع الالكتروني لمجلة الاقتصادي السورية الذي سيقدم نبذة عنه رئيس التحرير حمود الحمود ويدلف خارجا بهدوء بعد احتدام الجدل.

عندما يضطهد الصحافيون ’الشيوعيون جدا’ أنفسهم!

الحوار كان على طريقة ضربة على الحافر وأخرى على النافر، مابين رؤساء التحرير والصحافيين حيال نقاط متعددة، بدأت بالبيئة الادارية للعمل والعقود، البعض سيتحفظ عن هذا الحديث الشائك على اعتبار أنه محرر وليس اداري كأحد المحررين المشاركين من موقع الداي برس، غير أن المحرر سيجيب بعد سؤال محرج يطالبه بالاجابة على الاقل عن نفسه كمحرر، ما يضطره للاعلان أنه ’غير مشمل بعقد عمل يحميه’، محمد عبد الرحيم رئيس تحرير موقع شام نيوز سيعقب بمنظور شمولي على القصة، على اعتبار أن ’القطاع الخاص أغلبه ’ليس في الصحافة فقط’ يتهرب ’بالفطرة’ من العقود ومستحقاتها المنتظرة من تأمينات، بالتالي الواقع الأخير ينسحب على الارض على مختلف القطاع الخاص والاعلام الخاص كجزء منه يتخلله التوقيع على الاستقالة قبل التوظيف كما ينص العرف المحلي الخاص جدا.

فيما فضل بعض الصحافيون العمل على وقع مقولة ارسطو ’المعنويات أقوى من الماديات’ الفلسفية، أمام رد لينا محمد من صحيفة ’قاسيون’ الصحيفة الشيوعية السورية الخارجة عن الجبهة الوطنية، على سؤال جوني عبو ’مراسل البناء’ المحرج عن ’كفاية الرواتب التي تدفعها صحيفة قاسيون لمحرريها من قبل مالكها الشيوعي والممثل لعدة وكالات تجارية، وخاصة أن الصحيفة نشرت في دراسة اقتصادية سابقة أن الدخل الذي يفترض توفيره للمواطن السوري يجب ألا يقل عن 25 ألف ل س’، محمد ردت بـ’أن دخلها الشهري كافي بالقياس لكونه يعادل ضعف ساعات عملها البالغة ست ساعات يوميا’!

ابحث عن رأس المال

عملية البحث عن الممول لم تكن عويصة أمام حارة الصحافة السورية الضيقة بأسمائها الطنانة من متنفذين بأوزان مختلفة، مازن بلال سيقطع السؤال بإجابة مباشرة يحدد فيها صفة الشراكة مع مجلة أبيض وأسود ومنافذ التمويل ’الدعائية’، فيما سيعلن محرر الداي برس ’عدم معرفته بالمالك’، فيما لن يحتاج محمد عبد الرحيم للتعريف عن مالك موقعه، لينتقل الحديث عن جوانب ما دعي بقانون ’التواصل مع العموم’ على العمل الصحفي خاصة مع استقرار القانون في محطاته الاخيرة بين يدي السلطة التشريعية، الآراء ستختلف مابين الايجابيات التي عدها بلال مهمة لجهة تحديد المرجعيات، والسلبيات لـ’جهة التنظيم التي ستفوق طاقة المواقع ذات التجارب الفردية، لافتا إلى أن مختلف القوانين الالكترونية فشلت في الدول العربية’، متطرقا الى ’القرصنة وحماية الملكية الفكرية التي يمكن الانتهاء منها بالاشارة لمصدرها، مع لحظ اعتبارات عدم توفر دراسات للسوق والجمهور أمام قلة المخدمات في سوريا والتي ستقدم لها صورة كئيبة دراسة من جامعة هارفرد’.

وجدل بيزنطي

بدورهم الصحافيون سيدلون بدلوهم، وضاح عزام ’قاسيون’ سيسأل عن عدم توفر استراتيجية لدى الاعلام الالكتروني وعن عدم معالجة الشأن المحلي من قبل الاعلام الالكتروني كما يجب، النقطة الاولى سيردها دي انجيليس الى ’الاعلام الذي لم يتعدى عمره الخمسة سنوات وضرورة التجربة والمراكمة’، فيما سيردها بلال الى ’واقع اعلامي عام يعمل في بيئة اعلامية غير وضحة المعالم’، أما النقطة الثانية فسيحسمها عبد الرحيم بوضع المسألة ضمن اطار ’النسبية’ مختلفا مع عزام، انطلاقا من ’تجربة سورية عاشت صحافة العهد الاعلامي الموحد’الثورة سانا البعث’، وانتقلت الى الفضائيات التي لم تقدم مايبحث عنه المواطن السوري عبر تقارير مسلية لا تغوص في التفاصيل مكتفية بتناول المنوعات من باب الحارة وغيره، فيما اعادت المواقع الالكترونية الاهتمام بالشأن المحلي عبر مواقع الكترونية مختلفة من سيريا نيوز والداي برس وقاسيون وغيرها’، لافتا الى مسألة تكتيك رفع سقف التناول الصحافي والتلاعب عليه بتمرير مايحجب محليا من مقالات المطبوعات العربية عبر النوافذ الالكترونية كما في الموقع الالكتروني لصحيفة الوطن وغيرها، إضافة لما تتيحه خاصية التعليقات من تفاعل مع جمهور الانترنت الشبابي.

غير أن الجدل سيحتدم حول أسئلة وجودية طرحها الصحافيون كالـ’هدف من الاعلام وضرورة توفر رسالة وهدف للوسيلة الاعلامية’، انطلاقا من تعريف قادم من عهد الحرب الباردة لا تزال تمارسه ما دعي بـ’كلية الاعلام’ العتيدة في جامعة دمشق، بأن الاعلام ’وسيلة لتكوين رأي عام’، عبد الرحيم سيغوص في تفاصيل التعريف الدقيقة ’وفقا لادبيات قسم الاعلام إبان السبعينيات’ بأنه للـ’سيطرة على الرأي العام وتوجيهه’، ليخرج بنتيجة أنه اعلام حرب ودعاية وليس اعلاما بشقه المعرفي المفترض، لافتا أن التجربة المحلية عرفت مؤخرا الفصل مابين مواد التقرير والخبر التي تقدم للمعلومة ومابين الرأي والتعليق التي تكون وجهة نظر.

الصحافيون بدورهم سيعدون ان الاعلام في سوريا والصحافة لا تلعب اي دور ولا تقوم بالمتابعة ولا تضع حلولا للمشاكل،المقولة الاخيرة هي مهمة مناطة بالسلطات الأخرى التي يفترض بها متابعة ما يكتب في الصحافة، بدوره عبد الرحيم سيحدد موقع الصحافة بالسلطة الثانية ’وليس الرابعة’ في العالم العربي بضربة واحدة، بخاصة ’امام تغييب أسس الحكم الرشيد لجهة تغييب دور السلطة القضائية والتشريعية وتغول السلطة التنفيذية’، لافتا إلى أنه وبحكم تجربته في فضائية الجزيرة يرى أن دور الاعلام الاخير نجم عن غياب الحراك السياسي في العالم العربي، وهو دور أساء للعلاقة مابين الصحافي والسياسي، أمام انقلاب المعادلة وبحث السياسيين عن الصحافيين وعن شاشات التلفزة بدل أن يلاحق الصحفي الحدث والسياسي.

واقع مر

بالنتيجة وبعد الجدل الطويل تمخض الحديث عن خاتمة ’أهلية بمحلية’ دبجها عبد الرحيم، وبدأت بأسئلة للحضور من الصحافيين ’ما إن كانوا مستشرقين او مستغربين عن واقع الصحافة السورية التي لا تتضمن قانون يتيح حرية الوصول والنفاذ للمعلومات أو مصادر او معلومات تتيح تناول او نشر رقم عن انفلونزا الخنازير كمثال بسيط’، منطلقا ’بحكم تجربته في تلفزيون الاورينت’ من ’توفر حالة رقابة ذاتية مسبقة لدى الصحافيين أنفسهم بحكم ثقافة الادلجة التي سادت لعقود’، وعد عبد الرحيم أن ’قانون الاعلام الالكتروني حاول حماية الجمهور من الصحافيين رغم أن العكس هو المطلوب’.

فيما تناول الصحافي وائل يوسف في مداخلته عدم توفر اعلام متخصص او مؤسسات صحافية تشكل مدرسة صحافية، للمفارقة رغم أن الصحافيون السوريون يعدون من أهم مؤسسي الصحف والمجلات العربية في الكويت والامارات وغيرها من الدول التي استغنت عن خدماتهم دون أن يجد هؤلاء من يدافع عنهم، في المقابل تصر بعض المؤسسات الصحافية المحلية على توظيف صحافيين بلا خبرة لضمان سهولة ادارتهم تحريريا، حصاد ذلك :صحفيو سوريا من ذوي الخبرات هم خارجها دون الاستفادة من خبراتهم محليا في إنشاء مؤسسات صحافية أسوة بباق الدول العربية.

بالنتيجة الندوة انتهت بعد ساعتين من الجدل المحتدم حيال واقع اعلامي مشوب بالأسئلة، واقع لا يحدده الاعلام لوحده بقدر ما يرسم معالمه الحراك المجتمعي وصيرورته.