الكاتب : مازن بلال

دون استعجال للنتائج التي يمكن أن تظهر على سطح الحدث المصري، لكنه في النهاية هناك حسابات إقليمية ودولية ستظهر مع الأيام القادمة وذلك في لحظات الهدوء التي يمكن أن تبدأ سواء تحققت مطالب المتظاهرين أو انخفضت إلى المستوى الذي طرحه الرئيس المصري حسني مبارك، فالسياسة المصرية منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي كانت مسؤولة عن توزع القوى الإقليمية وحتى على الاستراتيجيات الدولية عموما.

عمليا فإن السيناريوهات التي تم الحديث عنها في الأمس بقيت مربكة، أو غير قادرة على التعامل مع سرعة الحدث على الأخص في غياب أي تصريح رسمي مصري، وكان واضحا نوعية القلق الذي تم رسمه عبر التصريحات الأمريكية على وجه التحديد، فالمسألة كانت مرتبطة بمفصل يمكن أن يعيد رسم الخارطة الشرق أوسطية من جديد، لكننا في النهاية نقف أمام أمرين:

الأول أن الرهانات الأمريكية سيتم قراءتها من جديد، فمهما كانت النتائج لكن الوضع سيبقى مضطربا تجاه قدرة بعض الدول على إدارة الأزمات، وهو أيضا يرسم صورة التحالفات القائمة فنحن هنا نتحدث عن الدولة العربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع "إسرائيل"، وهي دولة رسمت خطا سياسيا مختلفا على طول تاريخها سواء بعد 23 تموز 1952 أو سيرها في مساحة خارج إطار الصراع العربي الإسرائيلي مع توقيعها اتفاقية "كامب ديفيد".

الثاني مرتبط بالدور الإقليمي المصري الذي اتخذ موضعا جديدا بعد نهاية المثلث السعودي - المصري - السوري، علما أن هذه النهاية كانت مرتبطة برغبة أمريكية بإخراج قرار القاهرة من إطار الحدث الذي كان يتصاعد في العراق ولبنان وفلسطين، واتسم دورها في هذه المرحلة بتقديم نوع من "الإسناد" لما يسمى "محور الاعتدال"، ولكن بعد ما جرى فإن هناك سؤالا أساسيا: هل يمكن لعودة هذا الدور إعادة تثبيت قوة "الدولة" بعد أن تجاوز المتظاهرون كل الاعتبارات خلال الأيام الثلاث السابقة؟

مثل هذا السؤال سيظهر في الدوائر الخارجية قبل أن ينتقل باتجاه مصر، لأن حالة الارتجاج التي حدثت ستدفع أي حكومة أو جهاز سياسي مصري ينظر باتجاه الداخل، لكن في النهاية هناك استحقاقات ستواجه السياسة المصرية عموما، هذا إذا استطاعت قيادته قراءة ما جرى خارج الحسابات القديمة، وهو أمر يراه البعض صعبا لكن على الأقل هناك ضغط خارجي نحو مثل هذه القراءة.

عمليا ستتباطأ سرعة الحدث نتيجة "الإرهاق" الاجتماعي من أحداث أمس، لكن هناك حاجز كسره المجتمع أمس عبر تجاوزه لكل تنظيماته السياسية التي يقف بعضها في صفوف المعارضة، وهو أمر سيجعل من الصعب العودة إلى المعادلة الداخلية القديمة، وبالتالي فالتداعيات ستبقى تحت الضوء وضمن بقعة يتم معها محاولة رسم الحسابات الدولية تجاه مصر أكثر من البحث في نوعية القوى الصاعدة فيها التي لا تملك هيئة اعتبارية أو تشكيلا سياسيا أو حتى مدنيا، إلا أن محور المعادلة يمكن أن يعود في أي لحظة باتجاه المجتمع الذي ظهر بالأمس بعيدا عن كل الحسابات الدولية.