الكاتب : حسان عبه جي

كل الدوائر الدولية لم تتحدث عن "انتقال السلطة"، ولو من باب الاحتمال نتيجة نوعية الحدث الذي اجتاح مصر عموما، وربما يعكس هذا الأمر رغبة دولية في الدفع إلى الاستقرار القديم بدلا من البحث عن "معادلة جديدة"، فالتصريحات الأمريكية والفرنسية والبريطانية وحتى الألمانية تحدثت عن "حرية التعبير" وكأنه أمر قائم بذاته، ولا علاقة له بآليات سياسية يسعى إليها من يستخدم هذه الحرية.

ولو فسرنا الردود الدولية بأنها "حذرة" نتيجة سرعة الحدث والصمت الرسمي، لكنها أظهرت عدم ارتياح من نوعية المستقبل الذي عليهم ان يتعاملوا عليه، وعلى ما يبدون أن هناك إدراك حقيقي بأن الحدث المصري مختلف عن التونسي ولكنه يقاربه فقط من ناحية التعامل الغربي مع الدولتين، فنحن أمام مسألتين:

هناك وضع جيوسياسي مصري لا يمكن تجاوزه بسرعة أو تركه يحمل تداعياته دون التعامل معه دوليا، فميزان القوى المضطرب في الشرق الأوسط لا يجعل مصر رقما صعبا فقط، بل ضمانا أيضا للحزام الاستراتيجي الخاص بـ"إسرائيل"، فرغم أن الدوائر السياسية الدولية تتحدث عن لحظات مناسبة للإصلاح، لكنها في المقابل لا تريد أن تشاهد تحولا كاملا للنظام السياسي لأنه سيضع المنطقة كلها أمام استحقاقات جديدة.

في المقابل فإن الولايات المتحدة تعرف أن تماسها مع مصر وتونس وحتى اليمن هي موضوعات أساسية في مسألة الاضطراب الذي حدث في هذه الدول الثلاث، فهناك سياسات يمكن أن تتم مراجعتها، فالقوى السياسية في اليمن ومصر على الأقل ليس متصالحة مع الوضع القائم الخاص بالعلاقات ما بين هاتين الدولتين والولايات المتحدة، فحتى لو لم تظهر المواقف المصرية واليمنية باتجاه "القطع السياسي" مع المراحل السابقة لكنها على الأقل تريد توازنا أفضل في هذه العلاقة.

السياسات الأوروبية والأمريكية تحديدا تقف أمام مساحة اختبار لطبيعة تمرير مصالحا في المنطقة، فهي تجد نفسها أمام سلسلة من النتائج التي تحتاج ربما لرسم سياسات مختلفة والانتقال إلى خطط بديلة، حيث تجاوز الأمر اختبار السياسات الخاصة بأوباما على سبيل المثال، وهو ما يستدعي على الأقل بدائل يتم اختبارها في لحظات التحول.

هل تستبعد العواصم الغربية إمكانية تغير التوجه المصري؟ هي تستبعد عمليا انحراف السياسة بشكل مفاجئ لأن المسألة الداخلية ضاغطة وهو ما يجعلها قادرة على غعادة ترتيب أوراقها في رسم علاقاتها مع القاهرة، لكن بالتأكيد فإن المسألة ليست بهذه الثقة لأن هناك مسافة من عدم الثقة بدأت تتشكل من اللحظة التي أصبح فيها الموقف الدولي رماديا تجاه الحدث المصري، وربما يقف على الحد الفاصل بين مطالب المجتمع والموقف الرسمي الذي أعلنه الرئيس مبارك فجر اليوم.