الكاتب : ربى الحصري
الاتصالات العربية التي اتجهت نحو الرئيس حسني مبارك تعبر في عمقها عن أزمة النظام العربي، فمن يرى مصر من الخارج ربما عليه أن يحاول فهم ما يحدث دون الدخول في التفاصيل التي تطرحها بعض العواصم الدولية، سواء تعلق الأمر بالإصلاح او الفقر أو غيرها، لأن ما يجري حاليا في شقه الإقليمي يمكن أن يسير بالشرق الأوسط باتجاه آخر، وهو أيضا يحمل معه مساحة الإرباك الدولي في إدارة ملفات الأزمات في عمق المنطقة التي يبدو أنها تريد تبديل صورتها النمطية.
دوائر القرار الأوروبي لا تبدو واثقة من ان "العاصفة المصرية" ستمر بشكل اعتيادي، وهو يعني بالنسبة لها إعادة بناء جسور مع قوى جديدة ومختلفة في دولة طالما كانت مصر قلق لبريطانيا يوم كانت عظمى وحتى في مرحلة أفول الإمبراطورية، فالمدخل الاستراتيجي باتجاه الشرق الأوسط يملك معبرا ليس وحيدا لكنه هام وهو مصر، فهل يمكن رسم إستراتيجية "أوروبية" أو "أمريكية" مختلفة بعد ما حدث خلال الأسبوع الماضي؟
من زاوية خاصة فإن الهيكل السياسي في مصر سيأخذ صورة مختلفة حتى مع بقاء الرئيس حسني مبارك، وهو أمر تعيه تمام واشنطن التي أنشأت خلية أزمة وأصدرت تصريحات أكثر من الحكومة المصرية، وهي تعرف أيضا أن أي نوع من الديمقراطية سيحمل طيفا ربما يصطدم مع حالة كانت سائدة في الشرق الأوسط تتماهى فيه "سيادة الدولة" مع الإستراتيجية الأمريكية في عدد من الدول، وهو أمر ربما لم يسبب الفقر لكنه حول المسار الاقتصادي باتجاه تكريس هذا النوع من الخلط، فهناك إعادة رسم لشخصية المواطن القادر على تقبل المشهد اليوم كجزء من "القدر السياسي"، فيبدو الاقتصاد والسياسة والانتخابات متداخلة وتقود في النهاية إلى عملية "اكتفاء" مصر بذاتها بعيدة عن كل الأزمات التي تحيط بها.
بالتأكيد فإن السياسة المصرية تجاه فلسطين وأفريقيا وحتى العالم العربي ليست مسؤولة بمفردها عن نوعية الفقر الذي ضرب مصر، لكننا نتحدث على ما يبدو عن "حزمة" كاملة تتطلب وضع المواطن في مساحة خاصة تغنيه عن اعتبار حياته جزء من منطقة بكاملها، فتقليص الدور المصري كان أيضا محاولة لوضع أي مصري في مساحة مغلقة ومنهج تفكير يجعله يرسم "مساحته المصرية" فقط.
المتظاهرون لم يتجهوا نحو السفارة الإسرائيلية ليحرقوها، وهو أمر مفهوم في ظل كسر الحاجز المحيط بالمجتمع، فالعلاقة مع "إسرائيل" لم يعد يمثلها وجود السفارة بل "القعر السياسي" الذي جعل الأحزاب متأخرة عن حركة الشارع، وأوضح أن التحول عن "الصورة المصرية" التي ظهرت بشكلها المعاصر ربما من أيام محمد علي لا يمكنها ان تشكل حيادا أو نقطة امتصاص التوتر كما حدث منذ توقيع اتفاقية السلام مع "إسرائيل".
مهما حصل ومع "الفوضى" التي يتحدث عنها الإعلام لكننا نشهد بالفعل "إرباكا أوروبيا" على الأقل وهو أمر يؤثر مباشرة في رسم ملامح التحرك المستقبلي تجاه مصر، فإذا كان هناك يقين بأن "جمال عبد الناصر" لن يظهر من جديد، وأن خمسينيات القرن الماضي لن تعود، لكن اليقين الآخر أن مصر لن تكون كما كانت عليه قبل 25 من الشهر الحالي لا بمجتمعها ولا حتى بساستها.