الكاتب : نضال الخضري

لأنك مثل الخيال الذي يمسح عنا الخمول ويضعنا على حد "القرمزي"... ذلك اللون الذي يقودنا إلى بناء الحلم، وتشكيل سماء قادرة على منحنا غطاء أزرق يقودنا نحو آفاق نبتدعها في كل لحظة، فأعشقك لأنك ثقافة متجددة تخرج لنا في لحظة يكون فيها الزمن وصل إلى مساره المضطرب، فنقتنع بأن مسار الحياة الذي يملك عمقه الرائع هو أيضا ينتشر نحو المستقبل دون أن يترك شكا بأنك "مصر" بكل ما تملكه من طيف ينقلنا نحو عمق السماء.

هي ثقافة تكللنا مهما حاولنا أن نراها من خلال الثقوب الضيقة، أو عبر الصور التي تم تكريسها في أواسط السبعينيات، فهي تماوج العشق الذي قاد نزار قباني لنشر ديوانه طفولة نهد فيها، وهو الذي ركب الكلمات كي تصبح "المآذن" نوعا من الانتقال ما بين الزمن المملوكي وعصر أصبح في الحلم يداعب الوجه ويسرح على مساحة الجسد ويشعلنا ننتشي من روعة "الشغف" الذي يدفع العيون للنظر إلى الأعلى.

ولأنك تكسرين الحواجز التي تكلست فوق القلب فأنا قادرة على العشق من جديد، وعلى النظر نحو النيل لأشاهد أرضا مختلفة، وزمنا لا يعود للوراء لكنه يعيد تشكيل الهواء الذي يتنفسه الناس، فهو يحمل معه أسماء رحلت دون أن ترى ما كانت تٌبدعه قبل أن يحمل القدر زمنا "يٌعاش" بفخر، ويتسلق على من الأرض نحو الساقين ثم يعرش على الخاصرة ليعكس الوميض نحو روعة الحياة في زمن يتحول....

يتحول بي إلى تلك القرى التي كنت أعشقها يوما قبل أن تصبح نوعا من الضباب، ثم يعود إلى القاهرة التي لا يمكن لبشر إلا أن يفكر بها، ولا يحتاج البشر للتدقيق حتى يدركوا أن العيون الفاطمية تلمع وسط "الحشود" التي تنتشر في كل المساحات التي لم تحتلها الأبنية والعربات، فالزمن يحمل معه جرأة الاحتمال الذي لم يكن يوما بعيدا شتاء القاهرة أو الإسكندرية، ولم يترك مكانه في السويس لوجوه غريبة كانت تريد "تاريخا" عبريا" وزمنا لأجساد جشعة لا ترى من الجمال سوى رغبة عابرة.

أعشقك من جديد... وأنت قريبة... وأحبك لأنك أعدتني إلى الدفق الذي درسته في التاريخ لكنني لم أعاصره بل احتلت عيوني أشكالا من رمادية الوجوه ومن الكلمات "الملتوية" بحسب تردد "الزمن العبري" أو "الفوضى الأمريكية"، وأستطيع الانتقال ما بين الكلمات التي تخرق القلب في "زمن أمل دنقل" وعبر إصرار "أحمد فؤاد نجم" على كتابتنا حلما وانتصارا في ذروة الهزيمة.

وأرتاح على "الدهشة" التي رسمتها نوال سعدواي عندما عرفتها لأول مرة، فكنت وكنا تلاميذ في مدارس الجرأة التي كانت تنتقل في جغرافية تشدها أو مصر أو سورية أو الامتداد ما بينهما عبر تاريخ لا تهم تفاصيله بل قدرته على استقطاب الدنيا بدلا من أن يصبح النفط سيد الموقف، فأنا والعشق الذي يكتبني اليوم يعيدني "مراهقة" تكتشف لأول مرة أن كل "تخاريف السياسة" لن تمنع أحد من تلمس الحياة في دفق الزمن الذي ما يهمني به هو أن مصر التي أعشقها عادت لتجدد زمنها فينتعش الحلم والعشق والوجوه السمراء، ونستعيد ألق الزمن.