الكاتب : مازن بلال

من حق الشعب المصري الذي يقدم نموذجه الحقيقي اليوم أن يرسم أي سياسة يريد، فسواء "تحاور" البعض مع نائب رئيس الجمهورية عمر سليما أو فضلوا البقاء في الشارع فهو شأنهم، لكن في المقابل فإن الالتقاط الصورة من الخارج ستبدو مختلفة نوعا ما، ليس لأن الأمر يتعلق بالخيارات المصرية بل لضرورة وجود دور مصر قوي بعد انزياح حاد في هذا الدور.

عمليا فإن أي تحول في السياسة المصرية لن يكون بنفس السرعة التي جرى فيها الحدث الداخلي، ومصر تحمل أزمات من الصعب تجاوزها بمجرد "تنحي الرئيس" أو محاربة المفسدين أو الاعتراض على فقدان السيادة، وهذا الأمر يحمل بذاته إشارات استفهام عن مستقبل مصر ووزنها في شرق المتوسط فيما لو بقي أركان السياسة مع نائب الرئيس عمر سليمان متواجدين في مركز القرار، لأنهم في النهاية كانوا مسؤولين عن كل القرارات السيادية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

بالتأكيد فإن التحول الحقيقي هو في "تنحي" السياسة السابقة المصر، لأن العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة يمكن أن تبقى ودون ضرورة لأن يكون الدور المصري متماهيا مع الدور الأمريكي في المنطقة، وهو امر لا يمكن ان يتم دون الأخذ بعين الاعتبار أن مطالب الشارع المصري ليست تفاصيل فقط بل مرتبطة بنوعية التخلي عن السيادة المصرية لصالح التعامل مع الاستراتيجيات الدولية وكأنها أمرا حتميا.

من جانب آخر فإن القدرة على خلق التحول هو الكفيل بإيجاد اختراق لسكونية النظام العربي، وإعادة الاعتبار لحيوية السياسة، فصحيح أن أي حكومة قادمة لن تستطيع خوض حرب ضد "إسرائيل" إلا أنها يمكن أن تنظر لاتفاقيات السلام على كونها "اتفاقيات" وليس سياسات إلزام لا يمكن مراجعتها أو التمحور حولها وكأنها تلخص كل السيادة المصرية، فهل بقاء الأشخاص المنسقين في مثل هذا الأمر يمكن أن يحقق مثل هذا الهدف؟

السؤال سيوجه لاحقا لهؤلاء الشباب الذين يبحثون عن مساحة مستقبلهم في مصر، فما حدث منذ 25 كانون الأول يمكن أن يرسم مستقبلا آخر لا علاقة له بحقبة جمال عبد الناصر او انور السادات أو حتى حسني مبارك، والظرف الحالي سيقود باتجاه جديد هذا إذا لم يتمن استيعاب "المطالب على سياق السياسة التقليدية التي نراه أحيانا في بعض تصريحات أحزاب المعارض حيث يبدو الأمر وكأنه تسويات.

ربما نحمل آمالا كبيرة لأننا نراقب مصر التي كانت تؤثر بشكل كبير في شكل الشرق الأوسط، وحجم "الدرس المصري" اليوم أو في السبعينيات أو الخمسينيات هو الذي يضع دائرة الاهتمام بعيدا عن الاحتمالات التي تظهر إعلاميا فقط، فالمسألة كما نشاهدها يمكن ان تتجاوز أحيانا مشكلة "الأسماء"، لأننا ننظر إلى الدور المصري الذي أحدث سابقا تحولا في صورة الشرق الأوسط وغير ميزان القوى مع "إسرائيل"... ألا يحق لنا ان نفكر بهذا الشكل!

ليختار المصريون من يشاؤوا، فهو شأنهم وشأننا أن يبقى لدينا أمل بدور مصري يحمل معه اختراقا لمعادلة صعبة داخل الشرق الأوسط.