الكاتب : ربى الحصري

هو إرباك حقيقي فما يحدث في مصر يضم عوامل من الصعب التحكم بها بالكامل، فالأطراف التي يمكن توصيفها قليلة بينما توجهات الأجيال لا يبدو أنها واضحة على الأقل بالنسبة للولايات المتحدة، ومن جانب آخر فإن نتائج الديمقراطية ستكون غير محسوبة بالنسبة للولايات المتحدة، التي واجهت تجربة مشابه في انتخابات السلطة الفلسطينية أو في الإجراءات الدستورية في لبنان، أو في غير مكان داخل أمريكا اللاتينية.

بالطبع فإن الديمقراطية بالنسبة للولايات المتحدة لها شروط تضعها هي، وخارج هذا الظرف فإنها تملك العديد من المواقف الجاهزة التي يمكن طرحها دفعة واحدة، فما الذي يمكن ان تفعله في مصر إذا جاءت "الديمقراطية" خارج الإطار المرسوم؟ هو سؤال مفتوح طالما أن هناك ديمقراطية مقوننة تعرفنا عليها بشكل واضح في عدد من الدول، ثم اكتشفنا أن تلك الثورات المخملية التي اجتاحت "محيط" روسيا كانت تسير وفق آليات خاصة وتداخل مع سيناريوهات ربما رسمتها واشنطن في اللحظة التي ظهرت فيها الظروف أو بدأ التحرك من أجل "الديمقراطية".

هناك نسخ "ديمقراطية على ما يبدو بالنسبة للولايات المتحدة، والمسألة لا تحتاج لكثير من النبش فما يحدث في مصر يوضح أن الصورة القادمة تخضع لتقييم أمريكي طويل، ولافتراضات "إسرائيلية"، ولكن في النهاية فمسألة الديمقراطية يجب أن تدرس بعناية في مختلف الدول العربية، لأنها على ما يبدو ستأخذ منحى حيوي خارج عن اعتبارات الدعوات التي تقوم بها الولايات المتحدة أو مؤسساتها المدنية، أو حتى أطياف المعارضة العربية التي أظهرت الأحداث المصرية أنها متخلفة جدا عن الأجيال القادرة على بناء ديمقراطيها على صورة المستقبل.

الأجيال التي شاهدناها مستعدة للتضحية بأرواحها وبجرأة من أجل الديمقراطية، وقادرة على حماية ساحاتها، وهو ظرف خاص ربما لن يتكرر، فهل تستطيع التشكيلات السياسية القائمة من نخب معارضة أو حاكمة التعامل مع هذه اللحظة؟

هو امر ممكن مهما كان الوضع الحالي في مصر أو غيرها، لأنه إذا ظهرت هذه الحالة التفاعلية فإننا بالفعل يمكن أن نقدم "نظريتنا" الديمقراطية بعيدا عن التفكير الذي يحكم هذا المصطلح بمصالح الولايات المتحدة حصرا، وسيصبح بالإمكان أيضا أن تتشكل سياسات قادرة على تقديم مستقبل مختلف.

هناك تفاؤل حقيقي للحدث المصري ليس لأنه يقدم ثورة ضد السلطة السياسية، بل لأنه يقدم حالة غير مسبوقة يتوفر فيها عنصر شاب وواع وتتفاعل بذاتها دون التدخل القسري من الأجهزة والدوائر السياسية الخارجية، وأخيرا فهي تحدث في مصر بكل ثقلها التاريخي والسياسي ورمزيتها سواء في لحظات صراعها ضد إسرائيل أو توقيعها لاتفاقيات سلام بشكل منفرد... هو أمل حقيقي على الجميع قراءته.