الكاتب : ظافر الجنابي

مدهش هو مقدار العناد الذي يمتلكه النظام المصري ورئيسه , كما هو مدهش مقدار الحقد والاحتقار الذي يحمله هذا النظام تجاه شعبه , ومدهش كم هو هذا النظام ماكر ومخادع وصفيق وقليل الحياء.

العناد هو احد الصفات البارزة للرئيس المصري حسني مبارك , وهي صفة ركز عليها من كتبوا عن هذا الرجل ومن عرفوه جيدا , وفي هذا يقول محمد حسنين هيكل في مقال اخير له ’مشكلة الرئيس مبارك بحق ودون الخوض فى الماضى، أنه رجل يعاند ومعروف أن صفة العند واحدة من أبرز خصاله، وأعرف أنه حدث ذات مرة أن حاول أحد أقرب أعوانه إقناعه بقبول ترشيح شخص محدد، وأخذ يعدد له مميزاته العلمية والفكرية ومنها أنه حاصل على أكثر من دكتوراه فى تخصصه، فنظر إليه الرئيس مبارك وقال له: «أنا عندى دكتوراه فى العند»’, ولكن الشعب المصري اثبت انه اكثر منه عنادا , وانه شعب عصي على الانخداع كما انه عصي على القهر والقمع , او هكذا اصبح بعد ثلاثين سنة من حكم مبارك وبعد ستين سنة من الحكم العسكري .

وكمؤشر على العناد , فان هذا الرجل وبعد كل ما حصل لازال متشبثا بالسلطة بيديه وقدميه , وهذا مادلت عليه مقابلته الاخيرة مع مراسلة قناة ABC الامريكية , وفي المقابل فان الجماهير المصرية لازالت مصرة على مطلب رحيل مبارك , رغم كل طرق الاقناع والترهيب التي لجأ اليها النظام المصري لثني المتظاهرين عن هذا المطلب , وفي الحقيقة حتى رحيل مبارك غير كاف لاحداث التغيير في مصر , لان هذا النظام يمثل منظومة كاملة من المنتفعين المستعدين للقتال حتى اخر نفس وبكل مايمتلونه من وسائل للدفاع عن مصالحهم , وعن وضعهم , وهم يمتلكون وسائل وامكانات كثيرة سيستخدمونها في محاولة الدفاع عن النظام , وقد رايناهم حتى الان استخدموا اساليب متعددة من اشاعة الفوضى الامنية الى استخدام البلطجية لمحاولة فض الاحتجاجات بالقوة الى تسيير مظاهرات مضادة الى استخدام وسائل الاعلام لمحاولة تشويه صورة الاحتجاجات وثني المحتجين عن مطالبهم , وهذه المحاولات ستستمر ما لم يتم حسم الامر لصالح احد الفريقين .

حين سقطت القبضة الامنية لنظام مبارك مساء يوم جمعة الغضب بعد انهيار الاجهزة الامنية امام الجماهير الغاضبة , لم يتبق للنظام سوى قبضته الاعلامية وقبضة البلطجية , وهما ماحاول النظام استخدامه بالتعاضد , في خطة مدبرة دقيقة مصممة حملت وزرها بشكل خاص القنوات الفضائية الخاصة المملوكة لرجال اعمال مقربين من النظام مثل قنوات المحور ودريم والحياة والفراعين وغيرها والغريب ان قناة الحياة مملوكة للسيد البدوي رئيس حزب الوفد المحسوب على المعارضة , ما يلقي بظلال من الشك على الدور الذي يلعبه – وهو دور مخرب ومقسم - , شنت هذه القنوات عبر برامجها الحوارية هجوما منظما ومدبرا وخبيثا على المحتجين تضمن التشكيك فيهم وفي دوافعهم وفي اهليتهم , وفي مدى تمثيلهم الشعبي , واتهمتم بالعمالة وبانهم مخترقين ومسيرين من جهات اجنبية , او في افضل الاحوال من قبل تنظيمات اسلامية محظورة , وفي جانب اخر عملت هذه القنوات على تضخيم التنازلات التي قدمها نظام مبارك , وبعد كل تنازل كانت جوقة الفضائيات الماجورة تخرج لتقول ’ماذا تريدون اكثر من هذا , لقد كنا نطالب بهذا منذ ثلاثين سنة ولم نكن نحلم بان نحصل عليه , فالان ينبغي عليكم العودة الى منازلكم وفض الاحتجاج ’ , اوفي مقولة اخرى كانت ترددها هذه الجوقة تتضمن حملةِ ولاء واعتذار للزعيم الأب، ترفع شعارات: ’مبارك ما يستاهلش مننا كده’، و’عيب’، و’كفاية قلة أدب’.. ’ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ’ وعبارات أخرى من هذا النوع لتضليل الأميين وربات البيوت، ولعل خير من يرد على مثل هذه المقولات الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي في قصيدة جديدة أطلق عليها اسم ’الميدان’ , يقول فيها:

’ آن الآوان ترحلي يا دولة العواجيز

عواجيز شداد مسعورين أكلوا بلدنا أكل

ويشبهوا بعضهم نهم وخسة وشكل

ويوجه الأبنودي كلامه للنظام الحاكم قائلا:

’متخافش علي مصر يابا مصر محروسة

حتي من التهمة دي اللي فينا مدسوسة

ولو انت ابوها بصحيح وخايف عليها أوي

تركتها ليه بدن بتنخره السوسة’.

وعلى ذكر الابنودي , فقد افتقدنا في هذه الثورة اصواتا لشعراء وكتاب , كانوا يملؤون الدنيا صراخا وشكوى , وكان ينبغي ان يكون هذا اليوم يومهم , شعراء مثل احمد فؤاد نجم وجمال بخيت وكتاب مثل سيد القمني , لكنهم صمتوا صمتا غريبا ولم ينبسوا ببنت شفة .

الامر الغريب الذي حدث في الايام الاخيرة , ان التلفزيون الرسمي المصري بدل سياسته , واخذ في عرض برامج تستضيف عددا من الشباب الذي ينتمي الى المحتجين في ميدان التحرير , ليتحدثوا بصراحة ويعرضوا افكارهم ومطالبهم بحرية وصراحة , وفي مقدمة هذه الطلبات رحيل مبارك , في حين كانت الفضائيات الخاصة تاتي باشخاص يدعون انهم من من هؤلاء الشباب ليقولوا انهم كانوا مسيرين من جهات اجنبية , وان الموجودين حاليا في ميدان التحرير هم من الجماعات الدينية وامثال هذه التهم التي تنم عن خسة وقذارة , وبهذا يكون النظام قد احرق الفضائيات الخاصة لصالح التلفزيون الرسمي .

انتفاضتا تونس ومصر افرزتا عقدا اجتماعيا جديدا , يتضمن معادلة جديدة في العلاقة بين الانظمة والشعوب لعل اول ملامحه ان اساليب القهر والقمع لم تعد تجدي نفعا في ابقاء الشعوب في بيت الطاعة , كما هي اساليب الخداع والتضليل .