الكاتب : حسان عبه جي

لم يدرك البعض أن ما يجري في شوارع مصر يشكل فارقة خاصة بين زمن وآخر، فالشباب على ما يبدو كانا يعيشون زمنهم الذي تطور من خلال وسائل الاتصال الحديثة، وحتى مع وجود "الأمية والفقر" فإن ثقافة الاتصال الحديث استوعبت الجميع أو على الأقل من يستخدمون هذه الوسائل، وكحلقة ثانية من يراقبون أو على تماس مباشر بالحلقة الأولى، وهو ما يستدعي إعادة نظر بنوعية التأثير الذي تتركه هذه الوسائل على شخصيات الأفراد سواء كانوا قادرين على الوصول إلى الشبكة الافتراضية، او عاجزين بسبب ظروفهم الخاصة.

لكن المهم اليوم أن الأجيال التي نشأت وتربت وتعاملت مع الأشكال الكلاسيكية سواء كانت سياسية أو اجتماعية تجد نفسها اليوم امام "فجوة تفكير"، فعندما تبدأ الأمور بـ"الحوار" أو وضع مطالب فإنه يتجاوز رغبة المتظاهرين الفعليين ليس في إسقاط النظام بل في الدخول إلى عالم جديد، وهوية حيوية لا تحدها الآلية النمطية لتحرك الأحزاب السياسية التي ظهرت بصور متناقضة خلال "الحوار" الذي جرى أمس مع نائب الرئيس عمر سليمان.

هناك في الواقع أمرين تبدلا في مجال التعبير عن المجتمع، وهو ما أدى فعليا إلى التحول الحاصل في مصر بالذات:

الأول أساليب فهم الحراك الاجتماعي أصبحت دون تفكير الأجيال الجديدة، وعندما نتحدث عن "الأساليب" فإننا نواجه معضلة حقيقية كون الرأي العام أصبح متحركا بشكل كبير ومتأثرا بعوامل سريعة من المحطات الفضائية ووصولا إلى الانترنيت، فهناك فضاء مختلف للتأثير يجعل الرصد الكلاسيكي غير فعال، ويبدل أحيانا من حالة الصرامة العقلية التي تميز العناصر الاجتماعية التي أصبحت أمام خيارات وآراء تنهمر عليها، حتى ولو كانت هذه الآراء مرسومة وفق أجندات.

الثاني نوعية التفاعل ما بين المجتمع وما يسمى "قادة الرأي" تحول إلى رسم "نخب" مختلفة لا تمثل عمليا "مصادر" حقيقة للمعرفة أو الرأي، فهو لا تملك وجودا فيزيائيا مما يجعل التفاعل معها لا يملك "الهيبة" التي يضفيها قادة الرأي التقليديين داخل المجتمع.

فجوة التفكير الحالية ربما تدفع البعض إلى كسر نمطية الحدث المصري سياسيا واجتماعيا، بينما تريد الولايات المتحدة وضعه في إطار إدارة الأزمة بشكلها العام والمتبع منذ "الثورة الإسلامية في إيران" مرورا بالانتفاضة الفلسطينية" وانتهاء بما يجري اليوم في مصر، فهنا ربما لا يصح البحث عن "مطالب" محددة بل إيجاد "مجال" جديد بالنسبة للأجيال القادمة.

هو مجال يصعب تعريفه لأنه أقرب إلى حيوية "المجال الفيزيائي" بتعريفه العلمي، فهناك تأثرات دائمة وتحرك للوصول إلى وضعية جديدة سرعان ما تنهار لتظهر وضعية جديدة، فالأجيال القادمة تريد انتقال متعددا يتيح لكل الفئات التواجد على الساحة الاجتماعية والاقتصادية وربما السياسية، فهل الشكل الديمقراطي النمطي يحقق لها ذلك؟!! هو مجرد سؤال يستحق البحث مهما حدث داخل ساحات مصر، فالمسألة ليست التبدلات السياسية المطلبية بل أجيال وجدت نفسها فجأة في واجهة الحدث.