الكاتب : مازن بلال

بعد أسبوعين من التظاهرات لم يعد بالإمكان الحديث فقط عن تغيرات أو انتقال سلسل للسلطة حسب التعبير الأمريكي، فهناك تحول طال كافة أشكال الحياة المصرية ابتداء من السياسة التي تبدو الأقل تجاوبا، وانتهاء بـ"كسب العيش" الذي كان يعبر عن صورة المصري خلال ثلاثة عقود ماضية، لكن المشهد اليوم يقدم حالة مختلفة لأن هذه التفاصيل تحرك كل دوائر السياسة الدولية، وربما ترسم ملامح لـ"الأزمات النوعية" التي يمكن ان تؤثر ليس فقط على الشرق الأوسط بل في أكثر من منطقة في العالم.

بالتأكيد هناك نموذج مصري يضع بصماته اليوم على خارطة الشرق الأوسط، ويعيد كتابة المصطلحات التي بدت وكأنه المرتكز الأساسي للنظر للمنطقة بعد حرب تشرين 1973، وإذا كان من الصعب تلمس ملامح لمخارج "الأزمة الحالية" فإنه على الأقل يمكن أن نحدد ثلاثة امور أساسية فيما حدث:

الأول: أن رسم الشرق الأوسط لا يمكن وضعه وفق نفس الخط الذي بدأ في وقت مبكر من القرن الماضي، واعتمد على تأسيس خطوط تحالف بين بعض العواصم، للتأثير على مجمل السياسات في المنطقة عموما، وكان واضحا أن ما يجري حاليا يهدد خطا محددا، لكن في الواقع فإن ما يجري هو ان الحدث المصري ربما يغير من الأسماء التقليدية في الشرق الأوسط خصوصا عندما نتحدث عن جبهة تسعى للتماس مع "الغرب" أكثر من كونها امتزاجا بمشاكل المنطقة الحقيقية، فالاهتمام الدولي اليوم هو نتيجة عدم القدرة على تحديد "التداعيات.

الثاني هو أن نوعية الأزمة المفترضة التي كانت "تٌشخص" سابقا يجب إعادة النظر إليها كليا، فالمشكلة ليست في "التوترات الداخلية" بقدر كونها عدم الانسجام ما بين "التشكيل" الشرق أوسطي المفروض مع نوعية المجتمع، فنحن مازالنا نسمع عن توصيف لمجتمعاتنا تتحدث ساعة عن "حقوق الأقليات" وأخرى حول "صراعات مذهبية"، لكن هذه الأمور على ما يبدو يتم استيعابها في صورة ما يحدث، فتظهر أزمة مختلفة متعلقة بنوعية التفكير بالمستقبل والطريق الذي يحاول الشباب إبداعه في ظل الظروف التي كانت نتيجة طبيعية لشكل الشرق الأوسط الذي ظهر بعد عام 1948 وهو تاريخ "ظهور إسرائيل".

الثالث تبدو "إسرائيل" حتى اللحظة بعيدة عن الحدث المصري، لكنها الأكثر قلقا لأنها ليست فقط ضد التحول بل وتدرك بأن "وجودها" هو الذي يحكم التفكير المستقبلي بالنسبة للعالم العربي، فهل يمكن النظر إلى نوعية الأزمة المصرية فقط من خلال تاريخ واحد، أما انها سلسلة مترابطة متعلقة بجملة العلاقات الشرق أوسطية التي تدخل "إسرائيل" كعامل ضاغط عليه.

ما يحدث في مصر "أزمة" غير مسبوقة بالنسبة للقوى السياسية أو للدول الكبرى وعلى الأخص الولايات المتحدة، لأنها أمام تحول من العمق الاجتماعي وليس عبر تيارات محددة أو شخصيات يمكن أن تتحرك خارج إرادة المجتمع، وهو ما يربك السياسيين وربما الجيش لأنه يجد نفسه في موقع لم يشهده من قبل.