الكاتب : نضال الخضري

من لا يعجبه ما يحدث يستطيع إصدار فتوى، فالبعض لا يرى من الأمر سوى الوجه القديم، بينما يغيب عنه تلك القدرة التي ظهرت في مصر، وتصبح حالة العماء عنده نوعا من الخوف على تهاوي بعض "المرجعيات المعرفية"، ففي ميدان التحرير هناك حديقة يمكن أن تكون مساحة خلق جديدة لا يستطيع استيعابها من اعتادوا على قراءة الكتب الصفراء.

بالأمس أصبح الدين دينا وليس مزادا مفتوحا لكن مسألة الفتوى بقيت قدرا معلقا على رقابنا، فالضوء يحتاج لحكم شرعي وامتزاج القداس بصلاة الغائب حالة تربك من اعتادوا على النظر للأمور من ثقب يحجب كل الأشعة ولا يبقي سوى تخيلات يراها البعض "مرجعية" أو "خوفا" من الفتنة، فحرب الفتاوى اعتدنا عليها وهي في ظاهرة كتلك التي نشهدها في مصر لن تحرك ساكنا مادام هناك شباب يريدون "ممارسة التفكير".

لن نناشد من يتجرأ على الفتوى ان يسكت، فالمسألة خرجت من سلطة التراث وأصبحت في الحالمين بالمستقبل، ولن يمنعنا البحث في الغد عن الوقوف للصلاة جماعة أو ضع النقاب أو الخروج بدونه لأن المسألة لا تتعلق بحريات الأفراد في اعتقاد ما يريدون بل بفضاء نريد الدخول إليه، فهناك "مصر" التي تقدم لنا حيوية تغير من حسابات من يجلسون خلف المحيطات ليقرروا ماذا نريد نحن.

بعد ما جرى في مصر بالأمس سيتغير تاريخ "حقوق الإنسان" كما تكتبه بعض المنظمات، فنحن سنشكرها ثم ندعيها للتنحي لأنها على ما يبدو مشغولة بتصريف أعمالها اليومية ورسم خارطة لأقليات وطوائف ومذاهب، وربما أحياء وأزقة، لكنها لا تدري أن هذا التنكيط للمجتمع ينهار في لحظة المواجهة مع الذات، ففي الشرق الأوسط جغرافية أوسع من ان تستوعب حضارة واحدة،، وفيها من الحياة ما يدهش العاملون في حقوق الإنسان الذين يرسمون تقاريرهم وهم في حالة من الاستلاب لأشكال نمطية حول الشرق الأوسط.

هل هناك فرق بين الفتاوى التي تنتشر اليوم وبين تقارير حقوق الإنسان؟ هي كلها رؤية "مسبقة" يتم النظر عبرها لما يحدث بينما نحتاج اليوم لمعجم "لسان العرب" بنسخته الإلكترونية التي تجعلنا نعرف أن صورتنا تتكون خارج الصحراء لكنها ترث كل عراق الأهرامات وأمجاد الفاطميين والمماليك ودولة محمد علي وعصر النهضة والضباط الأحرار وحرب السويس وعبور القنال... صورة مزيج من كل شيء يسير فيضاف جمال جديد إليه.

حرب الفتاوى ليست جديد بل الجديد أنها تشبه "عالم الطرائف" الذي يبتدعه المصريون اليوم ليؤكدون لنا أن الجانب الجميل يبقى موجودا حتى في ذروة العمل من أجل المستقبل.