الكاتب : مازن بلال

الجهد الأمريكي ينتقل من موقع لآخر، فهو يذهب باتجاه الحكومة والرئاسة المصرية، لكنه أيضا يدرك أن "الزمن" الذي دخلت فيه مصر لا يمكن أن يعود إلى الوراء، لذلك فإن مسألة البحث مطالب المتظاهرين هو حدث يومي بالنسبة للبيت الأبيض، وهذا الانتقال الأمريكي يشكل في النهاية تدخلا لا يريده وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الذي استفاق فجأة على "السيادة المصرية"، لكن إدارة باراك أوباما لا تنظر في الوقت الحالي إلى "السيادة" أو حتى "حماية المتظاهرين"، فهي تبحث عن موقع مصر الجديد وعن تشكيلة العلاقات التي يمكن أن تربطها بها.

الهم الأمريكي ينصب على خط استراتيجي سيضعها أمام استحقاق كانت تحاول استخدامه سابقا من خلال "الخطر الإيراني"، فالدور المصري سيعود عاجلا أو آجلا وهو يعني أن ما أسمته الولايات المتحدة و "إسرائيل" التمدد الإيراني لن يكون عنوانا سياسيا يمكن تجميع بعض الدول العربية عليه، فالفراغ السياسي الإقليمي سيمتلئ بشكل سريع عبر حضور القاهرة في معظم أزمات المنطقة، وبالتالي فإن خلق عصبية ضد طهران ستأخذ منحى جديد على الولايات المتحدة أن تفكر فيه جيدا.

بالطبع فإن الجبهات الأمريكية ستخضع لتغير محتمل، وسيبدو في المقابل ترتيب الأزمات على شكلها الحالي مستحيلا، فإذا كان صحيحا أن مصر ستبدأ بالاستحقاق الداخلي، وأن قدرتها على استعادة دورها الإقليمي لن يكون بالسرعة المتوقع، لكنها في النهاية كانت منخرطة سابقا بمعظم الأزمات وفق حالة منهجية ومرضية للولايات المتحدة، وكافة هذه الملفات سيتم ترحيلها للشرعية المصرية الجديدة، التي ستجد نفسها أمام مسألة "المصالحة الفلسطينية" على سبيل المثال وأزمة قطاع غزة، وهذه الأوراق لن تتركها القيادة الجديدة للآخرين لأنها تعنيها، لكن النظرة إليها ومعالجتها ربما ستكون مختلفة تماما.

كيف ستتصرف الولايات المتحدة تجاه مهام محددة كانت مصر تعالجها بالتنسيق مع واشنطن و "الحكومة الإسرائيلية"؟ هذا السؤال الصعب الذي تحاول إدارة أوباما الإجابة عليه من خلال تحركها الحالي، فهي بحاجة لأصدقاء جدد داخل أي شرعية قادمة، وهي تعرف أيضا أن المطالب الديمقراطية لن تترك هامشا واسعا لأصدقائها الجدد كي تحركوا دون حساب لأي قوى اجتماعية أخرى، ولا يمكن حتى بإمكانية تشكيل تحالف إقليمي جديد يواجه رموزا كلاسيكية مثل "إيران" على سبيل المثال.

معضلة إستراتيجية حقيقية يخلقها الحدث المصري، وحتى بالنسبة لطهران التي يمكن أن تواجه أدوار عربية مختلفة عليها الانسجام معها، أو حتى فتح حوار مختلف بشأن البيئة التي تظهر حاليا، ويبدو الغريب اليوم أن "الاستيعاب" السياسي إقليميا غير واضح، فالمسألة ليست انتهاء نظام سياسي بل استحقاقات حقيقية ولحظات تاريخية يبقى سؤال حولها مطروحا... فهل يستطيع العرب اقتناصها قبل الآخرين؟ حتى اللحظة ليس هناك مؤشر على ذلك.