الكاتب : سورية الغد

ما يحدث يمكن أن يؤرخ على إيقاع مختلف، لأن رحيل مبارك هو انتهاء خط في استقراء الحدث، وربما في معرفة المستقبل على سياق يرتبط بالمجتمعات وليس بالحذر العربي المألوف الذي اعتدناه من قبل "النظام العربي"، فاليوم هو نهار مختلف علينا أن نحفظه في عقولنا قبل أن يصبح الفرح مسيطر علينا فينسينا أن الزمن الذي ندخله سيكون في النهاية بوابة لكل التداعيات التي ستصب داخل الإرادة الخاصة بالمجتمعات.

لم تكن أسابيع شدت الأعصاب بل حملتنا على أجنحة من الأمل الذي نكتبه دون أن يملي أحد علينا وعلى المصريين كيف نفكر أو نحلم، و في المقابل نقل إلينا مسؤولية خاصة لأن الشباب خلقوا حالة مختلفة على الجميع حمايتها وليس فقط أجيالا كانت قادرة على صنع أمل مختلف وآليات غير مسبوقة، فما بعد اليوم هناك رؤية علينا وضعها ليس فقط بالتحليلات بل أيضا بمحاولة التفكير بملامح ما يأتي.

بالطبع سننتقل للزمن الجديد بكل الأزمات وربما بجميع الاحتمالات التي يعتبرها البعض سينورياهات نهائية، لكن الخطوة القادمة فيها أيضا ما حمله الدرس المصري من نقاط سيراها البعض كثيرة، وهي أيضا تحمل إمكانية "التجاوز السياسي" بحيث يمكن أن يصبح الواقع السياسي القديم مجرد تاريخ فقط... كيف؟

سؤال لا يمكن الإجابة عنه إلا بالمؤشرات التي نملكها في هذه اللحظة، وبما تركته الأحداث على الممكنات التي يملكها الشباب والمجتمعات، وهي مؤشرات عليها أن تخضع للنقاش:

أولا - كل الخطوط الدولية ستختلط بعد هذا التاريخ، فالاهتمام العالمي بمصر يختلف عن الاهتمام بكل الثورات المخملية التي ظهرت في شرق أوروبا وآسيا الوسطى وباقي الجمهوريات السوفياتية السابقة، لأنها كانت وحسب باراك أوباما "تاريخ يُصنع"، والجميع يفكرون اليوم بما سينتجه هذا التاريخ وكيف سيتعاملون معه.

ثانيا - كل عواصم القرار العالمي ستتعامل من جديد مع أزمات المنطقة، فهي ستأخذ عوامل القوة الجديدة، ولكن كيف سينظر العرب عموما (النظام العربي) مع ما يجري؟ هل سيشطبه كما شطب نتائج حرب تموز وحرب غزة وإمكانية إحداث تحول استراتيجي؟ ردود الفعل العربية لا توحي بأنها كانت ترى الأمر من زاوية التغير الحاد، بل وجهت اهتماما لإمكانيات انتشار الظاهرة إليها داخليا، وهو أمر أخرجها من إطار الاهتمام بالمستقبل الذي يرتسم أمام المجتمعات، ووضعها في إطار القلق، أو احتواء الاحتمالات....

ثالثا - ستختلط الأدوار الإقليمية وستخرج عن نطاقها النمطي، فمصر ستعود بشكل أو بآخر لاكتساب دور جديد هو بالتأكيد ليس مشابها لأي مرحلة سابقة، وسيرتسم وفق قدرتها الذاتية وإمكانية دعم العرب لها رسميا وشعبيا.

وتداخل الأدوار سيدفع أيضا لحسابات توازن إقليمي من المفترض أن تكون مراكز البحث تدرسه بالدقة، في عواصم القرار الدولي على الأقل، حتى يمكن أن تجد آليات سياسية تضمن لها المصالح والقدرة على التحكم بالأزمات.

مصر في النهاية رسمت التاريخ، لكنها أيضا تحتاج لكل من تحمس لها من مجتمعات وحكومات، لأن هذا الدعم سيؤثر في النهاية على اتجاهات الشرق الأوسط عموما.