الكاتب : مازن بلال

بعد مصر نحتاج لـ"الإبداع"، فهناك "ظاهرة" تتشكل ومن الممكن أن تأخذ أبعادا مختلفة، ولكن السؤال المقلق كيف سنتعامل مع تطور هذه الظاهرة؟ فالردود السياسية تبقى "لحظية" وربما لا تقدم عمق ما يمكن أن يحدث، أو حتى طبيعة التفكير بصورة الشرق الأوسط بعد تنحي الرئيس مبارك.

هناك من يتحدث عن "محاور" انتهت، لكن المسألة تبدو أبعد من ذلك، فاستخدام مصطلح "المحاور" هو في الحقيقة ينتمي لزمن آخر لا علاقة له بالثورة التي حدثت، وحتى البحث عن "أدوار إقليمية" سيبدو خارج نطاق تطورات تلك "الظاهرة"، وعلينا تذكر أمر أساسي هو أن ثورة 25 كانون الثاني انطلقت بغض النظر عن كل التحليلات والمؤشرات المطروحة في التحليل السياسي أو حتى في ردود الفعل اللاحقة حتى وإن ظهرت داخل الشارع المصري نفسه.

بالتأكيد هناك زوايا مختلفة لرؤية ما حدث؛ إحداها أن الشباب كانوا يبحثون عن أنفسهم فكان الجواب هو "مصر"، أي ان مكانهم فيها وهي لهم وعليهم التمسك بها، وهو ما جعل التحرك المصري على إيقاع واحد حتى وإن ظهرت بعض الخروقات لكنها سرعان ما تدخل في السياق العام، فهناك تمسك بـ"الذات" التي لا يمكن فهمها إلا ضمن جغرافيتها أي "مصر"، وبعد ذلك يمكن الانطلاق للبحث في بقية المصالح.

من هذه الزاوية يمكن العودة لفهم نوعية التحول "الممكن"، ونحن نتحدث عن الإمكانية لأن الأمر لم يعد مرهونا في هذه اللحظة بالشعب المصري، والخيار تم دفعه خارج الحدود ليصل لباقي المجتمعات التي عليها ربما البحث عن طريقة جديدة لفهم مصر ولاستيعاب ما يمكن أن تقوم به تجاهها وتجاه نفسها، فالمسألة التي تبدأ بمتطلبات "الهوية" والتمسك بما تحمله من نتائج مثل الحفاظ على البلد الذي نشأت به هذه الهوية، وانتهاء بنوعية الارتباط بالمحيط الجغرافي، هي أمور يمكنها إعادة صياغة الحياة العربية عموما.

لا أحد يحلم بانقلاب اجتماعي بعد ما حدث في مصر، أو بتحول الخارطة السياسية إقليميا، لكن التحول حصل وهو يتطلب النظر إلى أمرين:

الأول أن مصر قامت بـ"تجاوز سياسي"، فالشباب المصري لم يقم بمحاسبة تاريخية قبل أن يبدأ، بل بحث عن نقطة انطلاق جديدة، وهو لم يبدي حماسا لحرق السفارة الإسرائيلية في القاهرة أو مهاجمة المواقف الأمريكية أو حتى الإيرانية، لأن مواقفه في النهاية ستتبلور بناء على النقطة الجديدة التي اختارها وليس على السياسات السابقة أو ما نتج عنها من فراغ في الحياة السياسية المصرية.

الثاني اختيار نقطة البداية كانت تحمل معها كما من التفاصيل التي ترافق الحياة العامة، فالتجاوز الثاني هو لثقافة اجتماعية سابقة، ربما تبدأ بالفساد والرموز السياسية وتنتهي بالنظافة العامة والعلاقة بين الأفراد، فهي ثورة دون رموز أو برنامج سياسية، فهي حددت فقط شروط البداية الجديدة، أو حتى تركتها تتفاعل تلقائيا مع سير الحدث، وهذا أمر هام لأنه حقق السير نحو الهدف برؤية قادرة على لم شمل المجتمع وإخراج أجمل ما فيه.

من النقطتين السابقتين يمكن أن نعيد النظر للحدث المصري ونفهم نوعية العلاقة التي يجب أن تنسج مع "الظاهرة" وتطورها، ومع الإمكانية أيضا للتفاعل معها بدلا من أن نتركها تسير باتجاه ربما نندم عليه لاحقا، فالعالم لن ينتظرنا ونحن نراقب ما حدث، على الأخص ان الولايات المتحدة انخرطت قبل الجميع بما يجري.