الكاتب : نجيب نصير

ربما لو أعلنت ثورة ميدان التحرير أنها حراك علماني لماتت في أرضها من يومها الأول، إذا لم نقل في ساعاتها الأولى، ولكن هؤلاء الشباب كانت عقولهم كبيرة لدرجة أنهم لم يتوقفوا عن الألفاظ والتسميات ومارسوا علمانيتهم مند دون الدخول في الطوائفية التي تفتت المجتمعات فكيف بحراك شبابي مغامر، حيث كان من الممكن أن ينفض الجمع ببساطة ومهما كانت احتياجاته، أمام تسمية لفظية تتهمهم بالكفر على الأقل فالعلمانية ليست هي الحل (على أقل تقدير) ولكن يمكن ممارستها عمليا دون تسمية، ما يعني العيش في فضائها وممارسة فضائلها دون افتتاح معارك جانبية لا تلبث أن تصبح أساسية ويضيع كل شيء في فوضى الأيديولوجي والنظري.

يبدو للمتأمل المتابع ممن سمع بالعلمانية أو يعلم بها أو يعرفها، أن هناك فضاء صادق وغير إدعائي كان يسود التفكير بما آلت اليه الأمور، حيث تظهر العقلانية بأبهى صورها مبتعدة عن الذرائعية التي صنعت الأحزاب والحركات الكرتوني منها واللاعقلاني، هذا الفضاء هو الفضاء العلماني ذاته ذي الدقة الحقوقية الفائقة ، لتلمس أن الجماهير العربية أعجبت به وتابعته وتمنت له النجاح .

ربما تسائل المواطن العربي عن ماهية العلمانية ، وما هو شكلها ، وما هو تأثيرها على الذهاب الى الجنة أو جهنم، ولكن مع الحراك المصري، كانت موجودة هي بحقيقتها التطبيقية ، وليس عبر افتراضات مدعية ربما شكلت الطرف المقابل تحت اعتبارات التسمية والألفاظ، نعم تم فصل الدين عن السياسة والدولة ولم يتأثر الدين ولا ألإيمان بشيء، فالكل كان موجودا تحت سقف المواطنة المتساوية التي يحكم عليها ولها بالقانون الذي لا يحتوي على استثناءات أو استنسابات أو مرجعيات سوى الدستور الذي يخضع في تصميمه إلى ذات الحيادية العلمية الدقيقة التي لا يمكن ضبطها عبر الممارسة إلا بالانتماء إلى الفضاء العلماني الذي ينظم الحقوق والواجبات عقلانيا .

لذلك ظهرت جميع طلبات هذا الحراك المصري علمانية بامتياز، لا تريد قلب الأوضاع رأسا على عقب ، بل تريد اعتماد سياسات تنموية تلحظ الجزء السياسي الحقوقي لسكان الوطن أي المواطنين، كتحديد عقلاني للكائن البشري أثناء انتمائه للوطن. وهي قيم علمانية لا غنى لأي مجتمع حديث عنها ن على اعتبار أن المجتمع الحديث يحتاج إلى دولة حديثة، والحداثة ليست خيارا ، بل هي مسلك إجباري لكل المجتمعات والشعوب.