الكاتب : مازن بلال

لم تعد المسألة مرتبطة فقط بمكان انعقاد القمة العربية، فالنظام العربي عموما يعيش ارتجاجا واضحا يدفع لإعادة النظر ليس فقط بأدائه بل أيضا بالبنية الخاصة به، فالقمة العربية التي من المفترض أن تنعقد في بغداد، وهي عاصمة ماتزال تحت الاحتلال، ستواجه واقعا مختلفا يكسر حالة التصالح التي يقيمها النظام العربي مع الواقع، وهذا الأمر لا يرتيط فقط بانتهاء نظام سياسي في مصر أو في تونس، بل أيضا بالتأثيرات التي سيتركها هذا الأمر على العلاقات بين الدول العربية نفسها.

المشكلة كما تبدو اليوم هي في طريقة انفتاح العالم العربي على التجارب الجديدة، ويبدو من الصعب وضع احتمالات محددة، لأننا في مواجهة تجارب جديدة وربما يصعب معرفة طريقة تعاملها مع العوامل السياسة الخارجية، وذلك بعد التحديد الذي قدمته هذه التجارب على المستوى الداخلي، ولكننا إذا حاولنا قياس الأداء الداخلي على ما يمكن أن تقدمه في "السياسة الخارجية" فإننا سنقف أمام أمرين:

الأول أن عملية المصالحة مع الواقع التي ينتهجها النظام العربي وستظهر بشكل واضح في بيانات القمة العربية، ستكون مناقضة للثقافة التي أنتجها الحدثان الأساسيان في تونس أو الجزائر، وحتى لو تأخرت المواقف الواضحة من هاتين الدولتين لكنهما سيجدان أنفسهما أمام استحقاق أساسي في هذا الأمر ربما لن يبرز في قمة بغداد إن انعقدت، بل فيما يليها من أحداث أو مشاورات أو حتى تداعيات.

الثاني أن النظام العربي يحمل منذ السبعينيات انقساما تقليديا حتى ولو حاولت بيانات القمة تجاوزه، فعلى الصعيد السياسي هناك تناقض استراتيجي ما بين دول بقيت تتعامل مع الموضوع الفلسطيني كقضية أساسية تشكل خطوط الصراع في الشرق الأوسط على الأقل، وأخرى ترى هذا الموضوع ضمن هامش المناورة مع الدول الكبرى، وربما تنساق باتجاهات الاستراتيجيات الدولية إعادة رسم "إسرائيل" ضمن خارطة المنطقة، فهل سيهتز هذا الانقسام ليرسم ملامح جديدة؟ هذا السؤال سيواجه أي قمة عربية قادمة وذلك مع التغيرات البنيوية التي أصابت المنطقة ربما منذ احتلال العراق، لكن الحدث المصري والتونسي سيشكلان ظاهرة قوية داخل النظام العربي لتبديل نوعية التوازن القائم حاليا.

هناك أمور إضافية ستظهر بشكل متتالي، وعلى الأخص أن النظام العربي لم يكن واثقا من نوعية النتائج التي ظهرت مع بداية الثورتين المصرية والتونسية، بل هناك دول راهنت على عودة الاستقرار وفق المعادلة السابقة، مما يعني أن التفكير العربي على مستوى النخب السياسية مازال ينظر إلى ما حدث من زوايا قديمة إن لم نقل انتهى زمنها، فكيف يمكن أن تبدو القمة العربية القادمة؟ هذا السؤال هو برسم "النخب السياسية" تحديدا التي ربما عليها إعادة رسم الخارطة الإستراتيجية قبل الذهاب إلى أي قمة جديدة، لأن الاستحقاقات أمامها باتت مختلفة حتى ولو لم تغير تونس ومصر موقفهما من "إسرائيل" أو من طبيعة التأثير الأمريكي في المنطقة، لأن الهامش المفتوح اليوم أوسع من أي وقت مضى وهي فرصة حقيقية لإعادة رسم العلاقات العربية على أساس مختلف.