الكاتب : نجيب نصير

ينوس مصطلحي الشعر والقصيدة، بين عدة إتجاهات، يلتطم بأحدها ليعود قافلا ليس الى إتجاهه الذي بدأ منه بل منحرفا الى مكان آخر ككرة مطاطية تنطلق في عرفة كثيرة الجدران، ولكن ما يهمنا هنا تلك الأسئلة التي ينتجها التأمل والتفكير بعد أن فقد الشعر الكثير من مستهلكيه بعد الإنجازات الهائلة لتكنولوجيا نقل المعلومات حيث يتبادر الى الذهن أسئلة من نوع :

 هل الشعر هو القصيدة فقط ؟

 وهل القصيدة هي الكلام الموزون والمقفى فقط ؟.

 وهل الشعر العربي هو الشعر بالعربية، أم هناك فارق ما بين ما يسمى الشعر العربي والشعر بالعربية؟

 وهل الشاعر العربي عندما يكتب بلغات مختلفة ينتج شعرا عربيا ؟ وكذلك الشاعر الأجنبي عندما يكتب شعرا عربيا أو بالعربية هل يعتبر شاعرا عربيا؟

 طيب ... إذا كان الفراهيدي واضع بحور الشعر، أي أنه أتى بعد الشعر الموزون والمقفى مخرجا من الشعر العربي أو بالعربي كل شعر لا يتفق مع أوزانه فهل كان هناك قبل الفراهيدي شعرا غير موزون ومقفى ولم يطابق أوزان الفراهيدي فاستبعد من إمارة الشعر؟

 فلنفترض أنه كان هناك شعرا غير موزون ولا مقفى، أو شعرا موزونا وغير مقفى، أو مقفى غير موزون، قبل الفراهيدي وربما بعده، فماذا يمكننا تسميته؟

 هناك أنماط من الأشعار التي تكتب باللهجات أو باللغات المحلية، هل هي شعر أم لا؟ كالشعر النبطي أو الزجل وأنماط الغناء والحداء والرعي والزراعة وجني المحاصيل والاحتفال بها كأعياد، وحتى أنواع راقية من الشعر الحديث والمعاصر كأشعار أحمد فؤاد نجم وطلال حيدر وصلاح جاهين وسعيد عقل ونجيب سرور وغسان الشامي وكثيرون جدا وأشعارهم بهذه اللهجات أو اللغات قد تكون فراهيدية وقد لا تكون فهل هذا شعر أم لا؟

 واليوم لا نستطيع إنكار تسمية أدونيس أو القباني أو الماغوط أو السياب أو نزيه أبو عفش أو أمل دنقل بالشعراء، ولكنهم ليسوا فراهيديين وزنا وقافية بالعموم، ولا يمارسون لغة عربية كلاسيكية، فكيف يستوي تعريف الشعر والقصيدة مع هؤلاء كشعراء؟

 من ناحية ثالثة (وهي جدار آخر تصطدم به الكرة المطاطية) وهي التراث، كيف يمكن نسب الشعر القديم من سومري وبابلي وآشوري (آشوريا تعني سوريا) وآرامي الى الشعر العربي أو الى القصيدة العربية (ملحمة غجلغامش مثالا) وهي أشعار وقصائد قد تكون موزونة ومقفاة في لغتها الأصلية وقد لا تكون؟ ولكنها في كل الأحوال هي وبشكل مؤكد جزء من تراثنا الشعري ونهل الشعراء الحاليون منها يعتبر واجب إذا لم نقل أنها أثرت بهم وتأثروا بها شاؤا أم أبوا، في حال وصلت اليهم بالدراسة والإطلاع أم بالوراثة الثقافية الاجتماعية ، مثل العادات والتقاليد وأسماء المدن والقرى وأسماء العمليات والأدوات الزراعية مثلا؟

 وأخيرا فالشعر تعبير عن ماذا؟ إن كان ديوان العرب أم لم يكن، فهل ملحمة جلغامش ديوان الدنمركيين أو المريخيين؟

 وأخيرا هل المنتوج أهم من المنتج؟ وهل هذا المنتوج جاء لخدمة الإنسان أم لخدمة نفسه وخلوده الذاتي.
سؤال محير بعد جعجعة طويلة عريضة استمرت ردحا طويلا من الزمن تغير الإنسان فيه العديد من المرات، ولما نزل نبحث عن الشعر بمقياس الفراهيدي، وما زلنا نسأل هل هذا الشعر عربي أم لا حتى ولو كان كاتبه (وليس قائله) راسخ في الأرض والمجتمع حتى نقي عظامه.