الكاتب : مازن بلال

كنموذج واحد يمكن النظر إلى لبنان، لأن التأثير المصري ظهر فيه ليس كنوع من التداعيات غير المحتملة، بل لأن السياسة "تاهت" بالفعل بعد أن أصبح إيجاد ارتباط للصراع ما بين "المعارضة والموالاة" أمرا يشبه اللعب بالهواء! فهناك نسيج شرق أوسطي لا يقدم أي صورة لأزماته، وما حدث في مصر هو الذي جعله يفتقد إلى بنية حقيقية.

بالتأكيد هناك من يتحدثون عن "مكسب" استراتيجي لما حدث في مصر، وآخرون ينتظرون كيفية تبلور التحالفات الإقليمية، لكن بالتأكيد فإن مجريات الأمور لن تكون على أي شاكلة معتادة، فليست المسألة "أفول" للمخطط الأمريكي لأنها مرتبطة ببنية المنطقة عموما، والبحث عنها في مساحة الولايات المتحدة وما تحمله من ردود فعل سيخرجها عن سياقها الحقيقي، فما حدث في مصر ينتمي للمنطقة، وهو لن يبحث عن "جغرافية" بعيدة كي يكمل دورته، حتى ولو قامت الولايات المتحدة بـ"ثورة" مضادة.

ربما علينا أن نستبعد في اللحظة الراهنة السيناريوهات السياسية لأنها مبنية على رأي مسبق، وأن نقبل أيضا بمفهوم "الأزمات" الحقيقية وليس بتوابعها، وهو ما يمكن إسقاطه على لبنان التي تحولت الأضواء عنها وعن محكمتها الدولية باتجاه آخر، وذلك قبل أن يذكرنا الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس بضرورة عدم المساس بها، ولكن هل هذه المسائل في جوهرها تعبر عن أزمة؟! فالحدث المصري ربما أوضح أن الأزمة اللبنانية بدأت بفعل اختراق آخر حدث في مصر قبل أربعة عقود، فارتجاج الشرق الأوسط سرعان ما ظهر في لبنان عبر بداية حرب السنتين، وفي النهاية فإن مسألة المحكمة الدولية ستصبح أمرا هامشيا إذا ظهر توازن مختلف.

هذا الأمر يلمسه الكثيرون من خلال التراجع العام في النظر إلى المنطقة من خلال قوة الضغط الخارجي، وربما لنفس السبب يحاول الناتو استعادة المبادرة من خلال ما يعرف بـ"مبادرة اسطنبول"، فوجود أندرس فوغ راسموسن الأمين العام "الناتو" و كلاوديو بيسوغنيرو نائب الأمين العام في الدوحة يقدم مؤشرا على اتجاه السياسة بعد الحدث المصري، حتى ولو كان هذا الاجتماع مقررا مسبقا، لكنه في النهاية يشكل اتجاها من محيط "الأزمة" أي دول الخليج، ويحاول النظر إلى الأزمات من خلال "الهامش" الذي يشكل "خط التماس" ما بين المصالح الدولية ومناطق الأزمات الحالية.

في مصر هناك خطاب مختلف من الشباب تحديدا، وحتى لا نغرف في التحليل فإننا سننظر إليه فقط عبر حزمة المطالب التي تشكل في النهاية "نظاما" جديدا أو مشهدا مختلفا، ولنا نفكر بعد ذلك بكل الاحتمالات التي ستحمل معها ذلك الخط المختلف، فهل يمكن أن نشهد زمنا للتفكير السياسي يختلف عن سابقه؟!

في لبنان لا يوجد من "النخب السياسية" على الأقل مثل هذا التفكير، وهناك من يسير بزخم أقوى باتجاه حالة الافتراق المفروضة على الساحة اللبنانية، دون أن نعرف تماما إلى أي تكوين سياسي يسعى من يؤيدون "خلق الافتراق"، لكن الوضع اللبناني يبدو عليه "الإرباك" الحقيقي ليس لأن الولايات المتحدة تخلت عن حلفاء لها، أو لأن المخطط الأمريكي "انتهى"، فكل هذه الأمور لا تملك واقعا حقيقيا على الأرض، بل لأن "عدة أزمنة" سارت حول لبنان وهو مازال يقف في المربع الأول....