الكاتب : مازن بلال
ليبيا وبشكل منفرد قررت تأجيل القمة العربية، لكن الأمانة العامة للجامعة العربية اعتبرت أن هذا الموضوع لا يمكن التعامل معه بهذه الطريقة، والجدل حول آلية التأجيل ليس مهما لأن القضية الأساسية في نوعية الإرباك السياسي الحاصل في هذه اللحظة، فالنظام السياسي العربي يدخل مرحلة مختلفة تحمل معها أكثر من مسألة "الزلزال" السياسي التي تحدثت عنه الصحف منذ الثورة التونسية.
بالطبع فإن الظروف التي تحيط بالانفجارات السياسية من ليبيا إلى البحرين تبدور مختلفة، وإمكانية أو نوعية التغيير ستختلف وفق العلاقات الداخلية للقوى الاجتماعية والسياسية في كل دولة، واستلهام الثورة المصرية يحمل في عمقه أكثر من مجرد اعتماد الشكل الذي يبدأ بالاعتصامات ويتطور باتجاه تبديل "النظام السياسي"، فنحن أمام عوامل جديدة في رؤية المجتمع لنفسه تحمل معها المطلبية السياسية ولكن في نفس الوقت تنقل محاولة الانتقال من خمسينيات القرن الماضي، وهي الحقبة التي شكل شخصية النخب السياسية المستمرة حتى اللحظة، وألقت بظلالها على تكوين الأحزاب والمؤسسات المدنية الأخرى، وربما حددت العلاقة ما بين مكونات الدولة.
البعض كانت يتوقع حدوث مثل هذا "الزلزال" بعد نهاية الحرب البارد، وذلك في تتابع دراماتيكي لما حدث في شرق أوروبا، لكن العالم العربي مختلف تماما في أزمته أو في ثوراته الحالية، فنحن لا نتعامل اليوم مع واقع سياسي ناتج عن صراع دولي، بل عن حالة فراغ حقيقي داخل "العقل السياسي" العربي الذي استنفذت نخبه كل أفكارها على امتداد نصف قرن، وحتى المنظمات العربية، وعلى الأخص جامعة الدول العربية، تبدو عاجزة عن فرض واقع مختلف رغم محاولة بعض الدول على تحريكها أو تبديل آلية غملها.
هناك ثورات في بعض الدول العربية وبعضها قد يؤدي إلى فوضى، لكن المسألة مع امتداد الاحتجاجات انتقلت من مجرد مواجهة "ظروف سياسية" ودخلت في مربع النظر إلى عمق التفاعلات الاجتماعية داخل كل بلد، فهناك فراغ في الحراك الاجتماعي تحاوله الأجيال الشابة تعويضه، بينما تقوم "المعارضة" في عدد من الدول باستخدامه أو التعامل معه لرسم توجهاتها من جديد، فنحن بالفعل أمام عالم عربي يواجه أزماته من جديد، ومن الصعب التكهن بصورة المرحلة القادمة، لكنها بالتأكيد ستحمل معها قوى وأفكار جديدة.