الكاتب : مازن بلال

يظهر داخل الحدث الليبي اتجاهات مختلفة، فإذا ما استثنينا نوعية التظاهرات أو أو تشتت السياسة الرسمية ومؤسساتها، فإن العالم على ما يبدو ينظر بشكل مختلف إلى ما يجري، وإذا كان الطابع "الإنساني" ظهر واضحا في التصريحات الأخيرة، إلى أن الموقف السياسي يتجه نحو ترك فرصة ليس للرئيس الليبي فقط، بل أيضا للقوى الدولية وعلى الأخص الاتحاد الأوروبي كي يتعامل مع الأزمة وذلك بغض النظر عن طابعها الداخلي.

ما جرى في اليومين الأولين يؤشر على أن الرهان على استمرار المظاهرات لم يكن موجودا، ومن المستبعد أن تكون عواصم القرار الأوروبي على وجه التحديد لا تعرف نوعية رد فعل الرئيس الليبي تجاه ما يحدث، بل ربما على العكس فهي كانت مطمئنة إلى أن رده سيرجع الموازين إلى موقعها القديم، والرد الدولي الذي تأخر بقي ينظر إلى ما يجري بشكل هادئ وهو ما يدفع إلى وضع سيناريوهين:

الأول أن القوى الدولية التي تعرف عن قرب عدم وجود مؤسسات تملكم ثبات في الأداء داخل ليبية، كانت تدرس الوضع من زاوية أخرى يعتمد على "فرادة" النموذج الليبي الذي لا يمكن أن يحمل "احتجاجات سلمية فقط، فهي كانت تعرف نوعية الرد العنيف وتراهن على رد فعل القبائل التي ستسارع إلى ضبط الأمور لصالح "الهدوء" حتى ولو كان لا يلبي مصالح "القبائل"، ولا نعرف بالضبط ما هي الصورة المنقولة للغرب عموما عبر سيف الإسلام للوضع الداخلي الليبي، لكن الواضح أن ردود الفعل وفق هذا السيناريو تعتمد كليا على الرؤية الرسمية الليبية، ليس لأنها مقنعة بل لأنها الأكثر قبولا وانسجامنا مع المصالح الأوروبية والأمريكية.

الثاني هو الرهان الدولي على الفوضى التي تستدعي التدخل الدولي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة بالذات ليست مستعدة لظهور تحول إضافي في المنطقة لا تعرف إلى أين يتجه، وعلى الأخص أن ليبيا وفق بعض التقارير لا تنسق أمنيا فقط مع الولايات المتحدة بل أيضا تقوم بمهام مختلفة داخل القارة الأفريقية، ومن هنا يأتي تأخر الرد الدولي الذي ينتظر توفر الظرف الذي يتيح باتخاذ قرار دولي يسمح بالتدخل مهما كان نوعه، وهو أمر سيضمن ضبط أي نحول، ونقل ليبيا إلى الساحة الدولية وهو ما يكفل إخراجها ولو مؤقتا من المعادلة الإقليمية.

وبين السيناريوهين السابقين فإن "السيناريو" العربي ليس غائبا ولكنه مربك، فحجم العنف المستخدم دفع الجامعة العربية إلى تعليق مشاركة ليبيا في نشاطات الجامعة، ولكن المطلوب هو مواجهة أي تكوين دولي يسعى للتعامل مع ليبيا وفق حسابات لا تدخل في مصلحة المنطقة أو في توجهها نحو اعتبار ليبيا مهما حدث هي جزء من "النظام العربي" سواء كان أداؤه متعثرا أو جيدا!

الواضح وسط الحدث الليبي أنه خرج عن إطار مفاهيم "السيادة" وذلك منذ اللحظة التي بدأت فيها "المنظمات الدولية" دراسة التدخل أو البحث في إجراءات سواء كانت عقوبات أو ربما "فرض" منطقة حظر جوي، فنحن أمام مرحلة تتبلور فيها توجهات دولية جديدة، وهو ما يفرض على الأقل النظر بشكل مختلف تجاه ما يمكن أن تقوم به الدول العربي وتحت غطاء "شرعيتها" في الجامعة العربية، فالمسألة باتت بعيدا عن تغير السياسة الداخلية ودخلت في إطار الحفاظ على الوضع الإقليمي بعد أن أصبحت التصريحات الدولية تتحدث عن "إجراءات" سياسية مختلفة.