الكاتب : نجيب نصير

لا تبدو الأزمة في ليبيا أزمة علاقة بين شعب وحكومة، ولا شعب ودولة، فالمسألة (خصوصا بعد تصريحات سيف الإسلام القذافي)، أن هناك فوات حضاري (مدني اجتماعي حقوقي) يتكلل بالعنف المعتمد كلغة اجتماعية وحيدة خلال أكثر من أربعين عاما، تخللها أكثر الإجراءات سريالية في تاريخ السياسة منذ كاليغولا، فالبنية النفسية لمنظومة الحاكم والمحكوم تجاوزت في كثير من الأحيان العقلانية البسيطة لسير الأمور حتى في الحالة الدكتاتورية، لتتحول الى حالة كاريكاتورية تحت ظلال المسمى الثوري للكاليغوالية بمظهرها الليبي، وتم رفض الأسس المؤسسة للمؤسسات بوصفها خلاصة وصلت اليها البشرية، لتتحول الى عشوائية حقوقية تقابلها عشوائية أدائية تضاهي مفاهيم الاستثناء الحضاري الذي قامت عليه الثورة الليبية ولم تسفر عن أية تنمية يمكن اعتمادها في الأداء المجتمعي.

ربما كانت المحكمة الجنائية الدولية، أو الفصل السابع من قوانين مجلس الأمن في منأى عن النظر الى وضع ليبيا الحالي، فالخلطبيطة الحقوقية (الدستورية تحديدا) التي تحملها الشعب الليبي لمدة أربعين عاما، لم تبق للنظر موقعا يمكنه تناولها، فالاستفادة الدولية منها هي أكبر من أن يسارع مجلس الأمن أو غيره في اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف المذابح حيث يمكن التذرع ببطيء تكنولوجيا الاتصالات عن اللحاق بدماء "المواطنين " المسفوكة على قارعة مبادئ العيش البشري المعاصر، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة للوصول وترحيل الجاليات، ولكن الواقع الحضاري لا يعترف وهو بالأساس لا يحتاج إلى هذه الشكوى من الوضع الدولي، ولا تحميل المسؤولية للناس المقهورة لكن قلع الشوك لا يسأل عنه إلا الموخوز بها في نهاية أي مطاف وكل مطاف.

تجتاح الإنسان المراقب أنواع من الصدمات العميقة وهو يتابع ما يحصل في ليبيا، ليس بالمقارنة عما حصل في تونس أو مصر أو حتى في اليمن السعيد، فالحالة الحضارية بوجهها الحقوقي تطل من أعلى إلى أسفل بوجهها القبيح عبر اقتراح حرب أهلية مشروطة بانتصار الأعلى على الأسفل بحام دم واسع النطاق، بما يعاكس وينافر مسؤلية هذا الأعلى عن هذا الأسفل في حال اعتماد مفاهيم متخلفة عن الدولة، فكيف والفوات الحضاري يطال الأسس المؤسسة لهكذا دولة، تتحول الى قبيلة متى شاءت، وتدعي حضورها كدولة متى شاءت بدلالة إقامة علاقات مع خارج مستفيد من تخلفها الحضاري هذا.

في السياق الأول والأخير هو حماية دماء هؤلاء الناس الذين لم يعرفوا عن حقوقهم مبتدأ ولا خبر سوى إمكانية إسلاسهم للذبح، في ظل تقسيم أفقي وعمودي بين دولة وشعب، ومع تخلف هذا الوضع فإن هذه الدولة وهذا الشعب لما يزل موعودا أو مأمولا به من أربعين عاما ونيف.

هل على الشعب الليبي استعادة خبرات رواندا في التسامح بعد المجازر التي بدأت؟؟؟ أعتقد أنه من السريالية المفرطة، أن تذهب الأمور في هذا الاتجاه الكارثي، مع المحافظة على نقيق التبجح الحضاري والرادع الأخلاقي والإيديولوجية .

مرعبة هي الأخبار التي تتسرب من ليبيا وأعتقد أن هناك واجبا أخلاقيا على العالم العربي، إذا لم نقل العالم ككل، لإيقاف هذه المذابح، حتى ولو نحجت قبائل رواندا في تجربة التسامح الحقير هذا.