الكاتب : مازن بلال

توضح تصريحات رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أن الحدث العربي بذاته هو الأزمة، كما ان الخطاب الذي يتحدث عن الخوف من التطرف هو الذي يحكم الصورة النمطية التي ينظر إليها البعض إلى المجتمعات العربية، حيث يبدو الأمر وكأن هذا التطرف أمر واقع لولا قدرة بعض الأنظمة على التحكم به، وبوتين طرح مثال "حماس" التي بدت اليوم وكأنه هاجس عن رئيس الوزراء الروسي، رغم أن حماس فازت بانتخابات ديمقراطية وتمت محاصرة تجربتها في المهد.

والهاجس الروسي هو مؤشر فقط على نوعية التحرك الدولي تجاه التحولات العربية مهما كانت، فهناك هاجس واضح في "النتائج الديمقراطية، وفي المقابل فإن الزمن السابق كان يحمل اطمئنانا لأن إلى القدرة على النفاذ إلى المنطقة وربما رسم معادلة توازن مهما كانت هذه المعادلة متعارضة مع مصالح المنطقة، وفي المقابل فإن علينا قراءة الخوف الدولي وعدم التوقف عنده كخط من الصعب تجاوزه لأنه يبدو رد فعل لنوعية المصالح المتراكبة مع المنطقة، فهو يجب أن يؤخذ بحدوده العادية دون اعتباره ظاهرة ستحكم علاقات الشرق الأوسط عموما مع عواصم القرار الدولي.

بالطبع فغننا سنلمس تمايزا في المواقف رغم أنها تجتمع عند حدود القلق مما يجري، وربما لأول مرة تجد أوروبا والولايات المتحدة أنها غير قادرة على التدخل لضبط الحدث على طريقتها، بل ربما على العكس فإنها تقوم أحيانا بخطوات استباقية سرعان ما تكتشف أنها غير كافية نظرا لسرعة الحدث، وهذا ما حدث خلال الثورتين المصرية والتونسية، ويبدو أننا أمام حالة دولية تتسم بأمرين:

الأول عدم وجود رسم سياسي عند الطرف الذي يقوم بالثورة يفاجئ "المجتمع الدولي"، فشباب في مصر وتونس وحتى ليبيا يملكون وعيا للمرحلة الجديدة التي يريدون الدخول إليها، لكن "الرسم السياسي" بما يحمله من شكل نظام الحكم أو طريقة تعامله مع القضايا الإقليمية فهي ترتسم بشكل تدريجي وفق تطور الثورة وتحقيق هدفها الأساسي في بناء حياة مختلفة، لكن المقلق بالنسبة هو استقرار هذا الرسم على حالة طبيعية يمكن أن يتبناها أي شعب، وذلك ابتداء من مبدأ السيادة الوطنية ووصولا إلى اعتبار "إسرائيل" واقعا يسير بشكل معاكس للواقع العربي عموما، فالمسألة ليست بالتطرف إنما بالتعامل مع المكونات الطبيعية التي تملكها المنطقة سواء كانت ثقافية أو مادية.

الثاني نوعية الرسم السياسي الموضوع سلفا للشرق الأوسط والعالم العربي عموما، فهو يحمل فجوتين: الأولى ما بين السياسة والحركة الاجتماعية وهذا الأمر ينعكس بوضوح في أداء النظام الرسمي العربي، والثاني هي الفجوة ما بين دول تملك الثروة وترتكز عليها الاستراتيجيات الدولية، وأخرى تحمل مشاريع سياسية وتتركز الأزمات على أرضها، وما يحدث اليوم يهدد بقلب هذا الشكل ليس بالضرورة عبر سد الفجوتين السابقتين بل ربما تغير المعادلة السياسية، وهذا الأمر سيفرض جهدا غير مسبوق من قبل العديد من الدول الكبرى لصياغة سياسة جديدة من أجل ضمان قوة مصالحها وربما قدرتها على التدخل لحماية هذه المصالح.

بالتأكيد لم يحسم شيء بعد فنحن أما الحراك الاجتماعي، وفي المقابل نتلقى ردود الفعل الدولية، ومن الصعب التكهن بمسار الحدث والتجاوب بالنسبة للغرب بالذات، لكن الثابت أن هناك ممكنات حقيقية اليوم لتبديل المعادلة القديمة بالنسبة للشرق الأوسط الذي على ما يبدو أن يتكون من جديد، فهل ينجح هذا البناء؟