الكاتب : ظافر الجنابي
كأنه اوان سقوط الزيف , وبعد تونس ومصر وليبيا هاهو العراق ينتفض , ليثبت زيف مقولة الديمقراطية التي جاء بها الاحتلال الامريكي , فللشعوب ديمقراطيتها التي تبنيها بثوراتها ودماء ابنائها والتي تأتي نتيجة طبيعية لتطور وعي وحاجات الشعوب , لا التي تاتي على حراب الاحتلال لتكون وليدا غير شرعي ولتبقى ملوثة مشبوهة .
ارادت الولايات المتحدة ان تبني في العراق نموذجا للديمقراطية , تتاثر به بلدان المنطقة , لتسقط انظمتها الواحد تلو الاخر , ولكن ما حصل ان النموذج الذي بني في العراق كان نموذجا مشوها يحمل ابشع سلبيات الديكتاتورية بالاضافة الى سلبيات الديمقراطية , لكنه لايحمل من ايجابيات الديمقراطية ومميزاتها الا قشرة سطحية وشكلا خارجيا مموها يخفي وراءه بشائع وقبائح وضع شاذ مشوه لم يجن منه العراقيون سوى سفك دمائهم وضياع حقوقهم وتشريدهم في كل بلدان الارض وحرمانهم من كل حقوقهم المشروعة.
وضع لم يستفد منه سوى حفنة من السياسيين والفاسدين الذين يعيشون على تقسيم الشعب العراقي طائفيا وعرقيا , لضمان بقائهم على كراسيهم ولضمان بقاء امتيازاتهم وفسادهم .
حين حصل ما حصل في تونس ومصر فانه لم يحصل ابدا تاثرا بالتجربة العراقية , بل حصل رغم وجود هذه التجربة , لان التجربة العراقية لم يكن لها ابدا اي وجه مشرق ايجابي , بل بالعكس كانت التجربة العراقية مثالا منفرا وسلبيا, لكن الذي حصل كان العكس فثورتا مصر وتونس الهمتا العراقيين لكي يروا حكومتهم بعضا من غضبهم , وفي هذا يتبين الفرق ين التجارب الاصيلة وغير الاصيلة.
حاولت المجموعة السياسية التي سيطرت على مقدرات العراق منذ ثماني سنوات ان تستعمل الطائفية والعرقية لتفرق الشعب العراقي , ولتديم سيطرتها عليه , لكن الشعب العراقي اثبت في كل مناسبة تعاليه فوق الطائفية والعرقية , واثبت ان وحدته الوطنية ليست محل تساؤل , ومظاهرات يوم الغضب العراقي كانت مناسبة اخرى لاثبات هذه الحقيقة , فالمظاهرات اندلعت في كل انحاء العراق من السليمانية الى الموصل الى الانبار , ولم توفر بغداد وكربلاء والناصرية والبصرة , وخرج فيها العربي والكردي , الشيعي والسني , المسلم والمسيحي جنبا الى جنب وقد تعالوا على فروقاتهم واختلافاتهم بعدما وحدهم الانتماء الوطني , كما وحدهم ما يعانونه من ظلم وحرمان وفساد واستئثار.
ما حصل يوم الجمعة في العراق كان ’بروفة’ بسيطة لما يمكن ان يحصل اذا استمرت المجموعة السياسية الحاكمة في صم اذانها عن احتياجات الشعب ومطالبه , واذا استمر الوضع الحالي الذي يمثل الفساد وسوء الادارة وغياب التخطيط وانتهاك حقوق الانسان ابرز مميزاته .
واذا كانت الدعوات التي وجهها بعض رجال الدين للجماهير باعطاء الحكومة مهلة لاصلاح الاوضاع , قد افلحت هذه المرة في التخفيف من حدة المظاهرات والاحتجاجات , فان شيئا لن يوقف طوفان غضب الجماهير العراقية في المرة القادمة .